للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى الآيات:

ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا الحلف به مانعاً من فعل الخير، وذلك كأن يحلف العبد أن لا يتصدق على فلان أو أن لا يكلم فلاناً أو أن لا يصلح بين اثنين فقال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ} يريد الحلف به عرضة لأيمانكم١، أي: مانعاً لكم من فعل خير أو ترك إثم أو إصلاح بين الناس. وأخبرهم أنه سميع لأقوالهم عليهم بنياتهم وأفعالهم فليتقوه عز وجل.

ثم أخبرهم أنه تعالى لا يؤاخذهم باللغو٢ في أيمانهم وهو أن يحلف الرجل على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلاف ما ظن، أو أن يجري على لسانه ما لا يقصده من الحلف كقوله: لا، والله، بل والله، فهذا مما عفا عنه لعباده فلا إثم فيه ولا كفارة تجب فيه. لكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الإثم، وذلك كأن يحلف المرء كاذباً ليأخذ حق أخيه المسلم بيمينه الكاذبة فهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وهذه لا تنفع فيها الكفارة الموضوعة لمن حلف على أن لا يفعل ثم حنث، وإنما على صاحب اليمين الغموس التوبة بتكذيب نفسه والاعتراف بذنبه ورد الحق الذي أخذه بيمينه الفاجرة إلى صاحبه وبذلك يغفر الله تعالى له ويرحمه، والله غفور رحيم.

وبمناسبة ذكر اليمين ذكر تعالى حكم من يولي من امرأته أي يحلف أن لا يطأها فأخبر تعالى أن على المولي تربص أربعة أشهر، فإن فاء إلى امرأته أي رجع إلى وطئها فبها ونعمت، وعليه أن يكفر عن يمينه، وإن لم يفيء إلى وطئها وأصر على ذلك فإن على القاضي أن يوفقه أمامه ويطالبه بالفيء فإن أبى طلقها عليه.

قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم} يغفر لهم ما ارتكبوه من الذنب في حق نسائهم ويرحمهم لتوبتهم.

وإن عزموا٣ الطلاق بأن أبوا أن يفيئوا طلقوا، والله سميع لأقوالهم عليهم بما في قلوبهم. فليحذروه بعدم فعل ما يكره، وترك فعل ما يجب.


١ الإيمان جمع يمين وهو الحلف، وسمي الحلف يميناً أخذا من اليمين؛ لأن عادة العرب إذا حلف أحدهم للآخر وضع يده اليمنى على يده اليمنى، ويقال أعطاه يميناً إذا حلف له مؤكداً حلفه بوضع يده اليمنى على يد صاحبه اليمنى.
٢ اللغو: مصدر لغى يلغو لغواً. إذا قال كلاماً خطأ وباطلاً، ولذا المؤمنون إذا سمعوا اللغو أعرضوا ولم يلتفتوا إليه ولم يأبهوا له {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} .
٣ عزم الطلاق: هو التصميم عليه فإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلاق وعليه فالمولى بين خير النظرين، وهما الفيء أو الطلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>