للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة وعرض صور حية صادقة لما يتم بعد البعث من جزاء، فقوله تعالى {اللهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} إعلان واضح صريح قاطع للشك مزيل للّبس بأن الله رب السموات والأرض وما بينهما هو الذي بدأ الخلق فخلق ما شاء ثم يميته ثم يعيده، وإليه لا إلى غيره ترجع الخليقة كلها راضية أو ساخطة محبّة أو كارهة، هكذا قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء مدلّلاً عليها بأقوى دليل وهو وجوده تعالى وقدرته التي لا تحد وعلمه الذي أحاط بكل شيء وحكمته التي لا يخلوا منها عمل، فقال {اللهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .

وقوله عز وجل في الآية الثانية عشر (١٢) {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ (١) الْمُجْرِمُونَ} هذا عرض لما بعد البعث فذكر أنه لماّ تقوم الساعة ويبعث الناس يبلس المجرمون أي ييأسون من الرحمة وينقطعون عن الكلام لعدم وجود حجة يحتجون بها. وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ} أي ولم يكن لهم من يشفع لهم من شركائهم الذين عبدوهم بحجة أنهم يشفعون لهم عند الله، فأيسوا من شفاعتهم وكفروا بهم أيضا أي أنكروا أنهم كانوا يعبدونهم خوفاً من زيادة العذاب. هذه حال المجرمين الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي، الحامل عليها تكذيبهم بآيات الله ولقائه. وقوله تعالى {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} هذا عرض آخر يخبر تعالى أنه إذا قامت الساعة تفرق الناس على أنفسهم فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير، وبين ذلك مقرونا بعلله فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا (٢) وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي صدّقوا بالله ربّاً وإلهاً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً لا دين يقبل غيره وبالبعث والجزاء حقا. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي عبدوا الله تعالى بما شرع لهم من العبادات إذ الصالحات هي المشروع من الطاعات القولية والفعلية فهؤلاء المؤمنون


١ - يقال أبلس يبلس إبلاسا: إذا سكت متحيراً وانقطعت حجته وأيس أن تكون له حجّة، قال الشاعر:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
والمكرس: الذي بعرت فيه الإبل وبولت فركب بعضها بعضا.
٢ - قيل في: (فأما) أن معناها: دع ما كنا فيه وخذ في غيره، وقيل معناها: مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه، والمعنى متقارب، والحقيقة أنها أداة شرط وتفصيل، تفصيل لما أجمل في الكلام السابق عليها وشرط ولذا قرن جوابها بالفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>