للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لغاتكم من عربية وعجمية ولهجاتكم بحيث لكل ناطق لهجة تخصه يتميز بها إذا سمع صوته عرف بها من بين بلايين البشر، {وَأَلْوَانِكُمْ} واختلاف ألوانكم أيها البشر من أبيض إلى أسود ومن أحمر إلى أصفر مع اختلاف الملامح والسمات بحيث لا يوجد اثنان من ملايين البشر لا يختلف بعضهما عن بعض حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر إن في هذا وذاك {لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} أي لحججا ظاهرة وبراهين قاطعة بعضها للعالمين (١) وذلك البياض والسواد وبعضها للعلماء كاختلاف اللهجات وملامح الوجوه والسمات المميزة الدقيقة والكل أدلة على قدرة الله وعلمه ووجوب عبادته وتوحيده في ذلك مع تقرير عقيدة البعث والجزاء.

وقوله {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أي ومن آياته الدالة على قدرته على البعث والجزاء منامكم بالليل فالنوم (٢) كالموت والانتشار في النهار لطلب الرزق كالبعث بعد الموت فهذه عملية للبعث بعد الموت تتكرر كل يوم وليلة في هذه الحياة الدنيا، وقوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي في ذلك المذكور من النوم والانتشار لطلب الرزق لدلائل وحجج على قدرة الله على البعث لقوم يسمعون (٣) نداء الحق والعقل يدعوهم إلى الإيمان بالبعث والجزاء فيؤمنون فيصبحون يعملون للقاء ربهم ويستجيبون لكل من يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه ويتقربوا إليه.

وقوله تعالى في الآية الثالثة (٢٤) {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً (٤) وَطَمَعاً} أي ومن حججه تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضيات توحيده والإيمان بلقائه إراءته (٥) إياكم أيها الناس البرق خوفاً للمسافرين من الأمطار الغزيرة ومن الصواعق


١ - ذكر العالمين والعلماء في التفسير إشارة إلى القراءتين إذ قرأ نافع والجمهور للعالمين بفتح اللام وقرأ حفص بكسر العين للعالمين وهم العلماء.
٢ - المنام مصدر ميمي وهو من الأعراض لا من الذوات وأمره عجيب إذ لو قيل لإنسان نم ولك مكافأة أعظم مكافأة لا يقدر على أن ينام إلا على سنة النوم وهو الاسترخاء والاضطجاع وإغماض العينين فترة حتى ينام، ولو شاء الله ما نام كما لو شاء ما هب من نومه.
٣ - اختيار لفظ السماع مع آية النوم فيه إشارة إلى أن النائم يفقد السماع حال نومه بدون إرادته ولا اختياره.
٤ - جائز أن يكون الخوف للمسافر والطمع للمقيم.
٥ - التعبير بالمصدر "إراءته" إشارة إلى أن من أهل التفسير من يقول إن "أن" المصدرية محذوفة نحو قول الشاعر:
ألا أيها اللائمي احضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
إذ التقدير أن احضر فحذف أن، ويصح أن يكون المعنى ومن آياته أنه يريكم فحذف أن واسمها وبقي الخبر وهو جملة يريكم والكل واسع وجائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>