للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحقوق الواجبة لا يزيد في سعة الرزق ولا في تضييقه، إذ توسعة الرزق وتضييقه مرده إلى تدبير الله تعالى الحكيم العليم هذا ما دل عليه قوله تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (١) } أي من البر والصلة {وَالْمِسْكِينَ} وهو من لا يملك قوته {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو المسافر ينزل البلد لا يعرف فيها أحداً، وحقهما: إيواؤهما وإطعامهما وكسوتهما وقوله تعالى {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ} أي ذلك الإيتاء من الحقوق خير حالاً ومآلاً للذين يريدون وجه الله تعالى وما عنده من ثواب. وقوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الفائزون بالنجاة من العذاب في الدنيا والآخرة، وبدخول الجنة يوم القيامة وقوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ} أي وما أعطيتم من هبات وهدايا تريدون بها أن يُردّ عليكم بأكثر مما أعطيتم فهذا العطاء لا يربو عند الله ولا يضاعف أجره بل ولا يؤجر عليه وقوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} أي صدقات تريدون بها وجه الله ليرضى عنكم ويغفر لكم ويرحمكم، {فَأُولَئِكَ} هؤلاء الذين ينفقون ابتغاء وجه الله {هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي الذين يضاعف لهم الأجر والثواب.

وقوله تعالى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (٢) ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} يخبر تعالى المشركين من عباده موبخا لهم على شركهم مقرعاً: الله لا غيره هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا ثم رزقكم بما تنموا به أجسادكم وتحفظ به حياتكم من أنواع الأغذية ثم يميتكم عند نهاية آجالكم، ثم يحييكم يوم القيامة للحساب والجزاء على الكسب في هذه الدنيا ثم يقول لهم {هَلْ (٣) مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ} المذكور من الخلق والرزق الإماتة والإحياء {مِنْ شَيْءٍ} ؟ والجواب: لا وإذاً فلم تعبدونهم من دون الله، فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون. ثم نزه تعالى نفسه عن الشرك، وتعالى عن المشركين فقال {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤) }


١ - الخطاب وإن كان موجهاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمته تابعة له في هذا كله وابن السبيل إن استضاف مؤمنا وجب عليه ضيافته لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" في الصحيح.
٢ - استئناف لتقرير عقيدة التوحيد وإبطال التنديد والتوبيخ والتقريع على الشرك الذي هو أعظم أنواع الظلم وصاحبه أحط الناس قدراً وأفسدهم ذوقا وعقلا.
٣ - الاستفهام إنكاري مشوب بالنفي لقرينة من المؤكدة لنفي الجنس والإشارة في قوله من ذلكم إلى ما ذلك من الخلق والرزق والإماتة والإحياء.
٤ - قرأ الجمهور بالياء وقرأ غيرهم بتاء الخطاب بدون التفات من الغيبة إلى الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>