للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القيلولة فلا ينام إلا في مدينة أخرى حتى يصل إلى الشام أو إلى المدينة التي يريد. وهذا كان لهم قبل هدم السد وتفرقهم وقولهم تعالى: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} أي وقلنا لهم سيروا بين تلك المدن الليالي والأيام ذوات العدد آمنين من كل ما يخاف. وما كان منهم إلا أنهم بطروا النعمة وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم. أي حملهم بطر النعمة على أن سألوا ربهم بلسان حالهم وقالهم أن يباعد بين (١) مسافات أسفارهم بإزالة تلك المدن حتى يحملوا الزاد ويركبوا الخيول ويذوقوا طعم التعب هذا في الواقع هو حسد من الأغنياء للفقراء الذين لا طاقة لهم على السفر في المسافات البعيدة بدون زاد ولا رواحل (٢) . قال تعالى {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إذ بإعراضهم وحسدهم وبطرهم النعمة كانوا قد ظلموا أنفسهم فعُرِّضوا لعذاب الحرمان في الدنيا وعذاب النار في الآخرة، وقوله تعالى {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي لمن بعدهم يروون أخبارهم ويقصون قصصهم بعد أن هلكوا وبادوا. وقوله تعالى {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي فرقناهم في البلاد كل تفريق بحيث لا يرجى لهم عود اتصال أبداً فذهب الأوس والخزرج إلى يثرب "المدينة النبوية" وهم الأنصار، وذهب غسان إلى (٣) الشام، والأزد إلى عُمان، وخزاعة إلى تهامة وأصبحوا مضرب المثل يقال: ذهبوا شذر مذر. وتفرقوا أيادي سبأ، أي مذاهب سبأ وطرقها. وقوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} أي إن في إنعام الله على أبناء سبأ ثم نقمته عليهم لما بطروا النعمة وكفروا الطاعة لعبراً يعتبر بها كل صبور على الطاعات فعلاً وعن المعاصي تركاً، {شَكُورٍ} أي كثير الشكر على النعم. اللهم اجعلنا لك من الشاكرين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

١- التحذير من الإعراض عن دين الله فإنه متى حصل لأمة نزلت بها النقم وسلبها الله النعم. وكم هذه الحال مشاهدة هنا وهناك لا بين الأمم والشعوب فحسب بل حتى بين الأفراد.

٢- التحذير من كفر النعم بالإسراف فيها وصرفها في غير مرضاة الله واهبها عز وجل.

٣- خطر الحسد وأنه داء لا دواء له، والعياذ بالله يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

٤- فضيلة الصبر والشكر وعلو شأن الصبور الشكور.


١ - قوله تعالى وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا قرأ الجمهور باعد فعل أمر من باعَد يباعِد وقرأ بعض بعّدْ فعل أمر من بعّد يبعّد على وزن جدّد، وقرأ بعض آخر باعَد فعلاً ماضياً.
٢ - قيل أن المسافة التي يقطعونها بين تلك المدن آمنين من الجوع والخوف مسيرة أربعة أشهر ذهاباً وإياباً وحالهم كحال بني إسرائيل كما قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض حيث ملوا أكل اللحم والعسل.
٣ - قال الشعبي فلحقت الأوس والخزرج (الأنصار) بيثرب (المدينة) وغسان وجذام ولخم بالشام والأزد بعمان وخزاعة بتهامة. فكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول. تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ أي مذاهب سبأ وطرقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>