للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم يميتك ثم يحييك ثم يحشرك إلى جهنم ونزلت هذه الآيات {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ (١) } أي أينكر البعث وهو يعلم أنا خلقناه من نطفة أي من ماء مهين وسويناه رجلاً فإذا هو خصيم لنا أي مخاصم يرد علينا ويشرك بنا وينكر إحياءنا للأموات وبعثهم يوم القيامة فكيف يعمى هذا العمى ويجهل هذا الجهل القبيح، إذ القادر على البدء قادر عقلاً على الإعادة وهي أهون عليه. وقوله {وَضَرَبَ لَنَا} أي هذا المنكر للبعث مثلاً أي جعل لنا مثلا وهو إنكاره علينا قدرتنا على البعث حيث جعل إعادتنا للخلق أمراً عجباً وغريباً إذ قال {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٢) } أي قد رمّت وبليت. ونسي خلقه من ماء حقير كيف جعله الله بشراً سوياً يجادل ويخاصم فلو ذكر أصل نشأته لخجل أن ينكر إحياء العظام وهي بالية رميم؟ ولما قال من يحيي العظام وهي رميم؟. وقوله تعالى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا هو القياس العقلي الجلي الواضح إذ بالبداهة أن من أوجد شيئاً من العدم قادر على إيجاد مثله. وقوله {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} أي مخلوق عليم فالعلم والقدرة إذا اجتمعا كان من السهل إيجاد ما أُعدم بعد أن كان موجوداً فأعدم لا سيما أن الموجد من العدم هو المخبر بالإعادة وبقدرته عليها.

هذا برهان قطعي وثاني برهان في قوله {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ (٣) مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} أي النار تشعلونها، ووجه الاستدلال أن البعث لو كان مستحيلاً عقلاً وما هو بمستحيل بل هو واجب الوقوع لكان على الله غير مستحيل لأن الله تعالى قد أوجد من المستحيل ممكناً وهو النار من الماء، إذ الشجر الأخضر (٤) ماء سار في أغصان الشجرة. ومع هذا يوجد منها النار، فكان هذا برهاناً عقلياً يسلم به العقلاء ولا ينازعون فيه أبداً، وبرهان ثالث وهو في قوله {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} ؛؟ ووجه البرهنة فيه أننا ننظر إلى السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الأرض وما فيها كذلك وننظر إلى الإنسان فنجده


١- روي أيضاً أن العاص بن وائل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعظم حائل فقال يا محمد أترى أن الله يحيي هذا بعد ما رمّ؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم ويبعثك الله ويدخلك النار فنزلت هذا الآية.
٢ - يقال رمّ العظم يرم فهو رميم ورمام وقال رميم ولم يقل رميمة لأنها معدولة عن فاعله نحو بغياً لم يقل بغيةً لأنه معدول عن باغية.
٣ - هذا الكلام مستأنف ابتدائياً الغرض إقامة الحجة العقلية على صحة البعث وإمكانه وهو ما أنكره المشركون واستبعدوه فذكر لهم أن الذي يخرج من الماء الرطب البارد النار وهما لا يجتمعان، قادر على إخراج الضد من الضد وهو على كل شيء قدير.
٤ - قال القرطبي يعني بالآية مع في المرخ والعفار وهي زنادة العرب التي يشعلون بها النار، ومن ذلك قولهم في كل شجر نار واستمجد الرمخ والعفار.

<<  <  ج: ص:  >  >>