للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من به على العرب لهدايتهم حيث جعل لهم في القرآن الكريم من أمثال الأمم السابقة في إيمانها وتكذيبها، وصلاحها وفسادها ونجاتها وخسرانها وكل ذلك بقرآن عربي لا عوج (١) فيه أي لا لبس ولا خفاء ولا اختلاف، فعل ذلك لعلهم يتذكرون أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون فينجون من العذاب ويسعدون. وقوله تعالى {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ (٢) وَرَجُلاً سَلَماً (٣) لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ (٤) } إلى آخر الآية، هذا مثل من جملة الأمثال التي ضرب الله للناس لعلهم يتذكرون وهو مثل للمشرك الذي يعبد عدة آلهة. والموحد الذي لا يعبد إلا الله فالمشرك مثله رجل يملكه عدد من الرجال من ذوي الأخلاق الشرسة والطباع الجافة فهم يتنازعونه هذا يقول له تعال والآخر يقول له اجلس والثالث يقول له قم فهو في حيرة من أمره لا راحة بدن ولا راحة ضمير ونفس. والموحد مثله رجل سلم أي خالص وسالم لرجل واحد آمره وناهيه واحد هل يستويان أي الرجلان والجواب لا إذ بينهما كما بين الحرية والعبودية وأعظم وقوله تعالى {الْحَمْدُ (٥) لِلَّهِ} أي الثناء بالجميل لله والشكر العظيم له سبحانه وتعالى على أنه رب واحد وإله واحد لا إله غيره ولا رب سواه. وقوله تعالى {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي بل أكثر المشركين لا يعلمون عدم تساوي الرجلين، وذلك لجهلهم وفساد عقولهم.

وقوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٦) } نزلت لما استبطأ المشركون موت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي لا شماتة في الموت إنك ستموت يا رسولنا ويموتون. وقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} أي مؤمنكم وكافركم قويكم وضعيفكم تقفون بين يدي الله ويحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمور الدين والدنيا معا.


١ - غير ذي عوج أي لا اختلاف فيه ولا تضاد ولا لحن فيه ولا شك قال الشاعر:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج
من الإله وقول غير مكذوب
٢ - متشاكسون أي مختلفون أو متعاسرون يقال رجل شكس وشرس وضرس ويقال شاكسني فلان أي ماكسني وشاحّني في حقي.
٣ - قرأ الجمهور سلماً وقرأ غيرهم سالماً بمعنى خالصاً فمعنى القراءتين واحد وهو الخلوص لمالك واحد.
٤ - الاستفهام إنكاري أي لا يستويان، مثلا منصوب على التمييز لنسبة يستويان أي في أي شيء ميز لي.
٥ - لما سلم الخصم بأنه لا يستوي الموحد والمشرك تعين حمد الله تعالى إذ لا يعقل أن يقول المرء باستواء الرجل الذي يشترك فيه عدة رجال والآخر الذي هو خالص لرجل واحد، فكذلك الذي يعبد إلهاً واحداً لا يستوي مع من يعبد آلهة متعددة.
٦ - قرأ بعضهم إنك مائت وإنهم مائتون. والميت بالتشديد من هو صائر إلى الموت والميت بسكون الياء من فارقته الحياة، في هذه الآية نعي لكل إنسان بالموت إذ أن رجلا نعى لرجل أخاه ووجده يأكل فقال له كل فقد نعى إلي أخي من قبلك فقال وكيف وأنا أول من نعاه فقال له قد نعاه الله إليّ في قوله إنك ميت وإنهم ميتون.

<<  <  ج: ص:  >  >>