للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لله العلي الكبير، وقد حكم بعذابكم فلا سبيل إلى نجاتكم. فامقتوا أنفسكم ونوحوا على أرواحكم فما ذلكم بمجديكم ولا بمخفف العذاب عنكم. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي (١) يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} هذا خطاب للناس في هذه الحياة الدنيا خطاب لمشركي قريش بعد أن عرض عليهم صورة صادقة حية لحالهم في جهنم يوم القيامة عاد يخاطبهم داعياً لهم إلى الإيمان فقال هو أي المعبود بحق الله الذي يريكم آياته أي حججه ودلائل وحدانيته وقدرته على بعثكم ومجازاتكم {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} من المطر وغيره. ومع ذاك البيان وهذا الإفضال، {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} أي فلا يتعظ إلا من شأنه الإنابة إلى ربه تعالى في كل شأنه.

وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} هذا خطاب للموحدين يأمرهم تعالى بالاستمرار على توحيد الله في عباداته والإخلاص لله تعالى في كل أعمالهم، ولو كره الكافرون ذلك منهم فإنه غير ضائرهم.

وقوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ (٢) } أي هو الله ذو الدرجات الرفيعة والعرش العظيم {يُلْقِي الرُّوحَ (٣) مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي يلقي بالوحي من أمره الذي يريد إنفاذه إلى خلقه على من يشاء من عباده ممن يصطفيهم وينبئهم من أجل أن ينذروا عباده يوم التلاقي وهو يوم القيامة إذ يلتقي أهل الأرض بأهل السماء والمخلوقون بخالقهم وهو قوله {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} (٤) من قبورهم لا شيء يسترهم، {لا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} ، وفي هذا الموقف العظيم يقول الجبار سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ؟ فلا يجيبه أحد رهبة منه وخوفاً فيجيب نفسه بنفسه قائلاً: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} من خير وشر لتمام العدالة الإلهية، ويؤكد ذلك قوله: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ويأخذ في محاسبتهم فلا ينتصف النهار إلا وأهل الجنة في الجنة قائلون في أحسن مقيل اللهم اجعلني منهم ومن قال آمين.


١- جائز أن يكون الخطاب هنا موجها إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين وكونه عاماً يشمل الموحدين والمشركين أولى أو ليزداد المؤمنون إيماناً وليتوب المشركون أما قوله تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين فظاهر في أنه خطاب للمؤمنين.
٢-رفيع الدرجات خبر والمبتدأ محذوف تقديره هو عائد على الله ورفيع الدرجات خبر وهو يحتمل أمرين كلاهما حق الأول أن الله تعالى هو ذو الشأن العظيم والصفات العلا والأسماء الحسنى والقدر الأعلى والثاني أنه تعالى رافع درجات أوليائه في دار كرامته إذ رفيع إما أن يكون صفة مشبّهة عائدة إلى الذات الإلهية العلية، أو فعيل بمعنى فاعل أي رافع درجات أوليائه.
٣- فيه تقرير النبوة المحمدية بإثبات الوحي الإلهي لمن يشاء من عباده فبعد تقرير البعث والتوحيد قرر النبوة المحمدية وهذه أصول الدين التي عليها مدار الحياة الإيمانية.
٤- هذا عرض أيضا لأحوال يوم القيامة المقصود منه التذكير به والدعوة إلى تقوية الإيمان به إذ هو عامل إصلاح النفوس مع بيان عظمة الله وعدله وهي موجبات توحيده وطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>