للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم وتهذيباً لأخلاقهم وسموا بهم إلى مدارج الكمال الروحي فيقول: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ١} أي: أيحب أحدكم أيها المنفقون في غير مرضاة الله تعالى أن يكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار وله فيها من كل الثمرات والحال أنه قد تقدمت به السن وأصبح شيخاً كبيراً، ومع هذا العجز فإنه له ذرية صغاراً لا يقدرون على الكسب وجلب عيشهم بأنفسهم، وأصاب ذلك البستان الذي هو مصدر عيش الوالد وأولاده أصابه ريح عاتية تحمل حرارة السموم٢ فأتت على ذلك البستان فأحرقته، كيف يكون حال الرجل٣ الكبير وأولاده؟ هكذا الذي ينفق أمواله رئاء الناس يخسرها كلها في وقت هو أحوج إليها من الرجل العجوز وأطفاله الصغار، وذلك يوم٤ القيامة، وأخيراً يمتن تعالى على عباده بما يبين لهم من الآيات في العقائد والعبادات والمعاملات والآداب ليتفكروا فيها فيهتدوا على ضوئها إلى كمالهم وسعادتهم فقال تعالى: {كَذَلِكَ} أي: كذلك التبيين {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ٥} .

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

١- استحسان ضرب الأمثال تقريباً للمعاني إلى الأذهان لينتفع بها.

٢- مضاعفة أجر الصدقة الخالية من المن والأذى ومراءاة الناس.

٣- بطلان صدقات المان والمؤذي والمرائي وعدم الانتفاع بشيء منها.

٤- وجوب التفكر في آيات الله لا سيما تلك التي تحمل بيان العقائد والأحكام والآداب والأخلاق.


١ الود: حب الشيء مع تمنيه.
٢ ولذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أبردوا بصلاتكم في الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه البخاري وغيره.
٣ روى الحاكم وذكره ابن كثير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو فيقول: "اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري".
٤ روى البخاري أن عمر رضي الله عنه سأل يوماً أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الآية: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} فقالوا: الله أعلم. فقال: قولوا: نعلم ولا نعلم. فقال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. فقال: ضربت مثلاً لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
٥ أي: في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقاءها، وهذا لا يتنافى مع ما فسرنا به الآية. في التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>