للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله حفيظ عليهم: أي يحصي لهم أعمالهم ويجزيهم بها.

وما أنت عليهم بوكيل: أي ولست موكلا بحفظ أعمالهم وإنما عليك البلاغ.

معنى الآيات:

قوله تعالى: {حم عسق} الله أعلم بمراده به وقد تقدم التنبيه إلى أن هذا من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر فهم معناه إلى منزله وهو الله سبحانه وتعالى وقد ذكرنا أن له فائدتين جليلتين تقدمتا في كثير من فواتح السور المبدوءة بمثل هذه الحروف المقطعة فليرجع إليها.

وقوله {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ (١) } أي مثل ذلك الإيحاء بأصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوة والبعث يوحي إليك بمعنى أوحى إليك وإلى الذين من قبلك من الرسل الله العزيز (٢) في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه وقوله {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ (٣) وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي خلقاً وملكاً وهو العلي أي ذو العلو المطلق على خلقه العظيم في ذاته وشأنه وحكمه وتدبيره سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه.

وقوله تعالى {تَكَادُ (٤) السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} أي يتصدعن ويتشققن من فوقهن من عظمة الرب تبارك وتعالى والملائكة يسبحون بحمد (٥) ربهم أي يصلون له ويستغفرون لمن في الأرض أي يطلبون المغفرة للمؤمنين فهذا من العام الخاص بما في سورة المؤمن إذ فيها ويستغفرون للذين آمنوا وقوله تعالى {أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إخبار بعظيم صفاته عز وجل وهما المغفرة والرحمة يغفر لمن تاب من عباده ويرحم بالرحمة العامة سائر مخلوقاته في هذه الحياة ويرحم بالرحمة الخاصة عباده الرحماء وسائر عباده المؤمنين في دار السلام وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا (٦) مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي شركاء آلهة يعبدونهم هؤلاء الله حفيظ عليهم فيحصي عليهم أعمالهم ويجزيهم بها يوم القيامة، وليس على الرسول من ذلك شيء إن عليه إلا البلاغ وقد بلغ وهو معنى قوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} تحفظ عليهم أعمالهم وتجزيهم بها وفي الآية تسلية للرسول وتخفيف عليه لأنه كان يشق عليه إعراض المشركين وإصرارهم على الشرك بالله تعالى.


١- المعنى الإجمالي لهذه الجملة هو كما في قوله {إن أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} فهو تشبيه إيحاء بإيحاء.
٢- العزيز الحكيم: وصفان لاسم الجلالة هما مقتضى الوحي الإلهي إذ الوحي يكون من عزيز لا يحال بين إرادته وحكيم يضع الأمور في مواضعها فلا يعاب عليه اختياره للوحي إليك.
٣- هذه الجملة مقررة لما تقدم من جلال الله وكماله وعلمه وحكمته الموجبة لتوحيده ولقائه وبعثه رسوله.
٤- قرأ نافع وحده يكاد بالياء وقرأ باقي القراء حفص وغيره بالتاء وسبب تفطرهن هو الخوف من عظمة الرب قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما "فرقا" أي خوفا.
٥- أي ينزهه عما لا يجوز وصفه به وعمّا لا يليق بجلاله، وقيل يتعجبون من جرأة المشركين فيسبحون.
٦- لما أقام تعالى الحجج والبراهين على توحيده ونبوة رسوله فسبحت له الملائكة واستغفرت للمؤمنين الموحدين وبقي المشركين على اتخاذهم أولياء كأنما قال لرسوله لا يهمك أمرهم فإن الله يحصي أعمالهم ويحفظها لهم ويجزيهم بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>