للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى وهو أن كل حادث يحدث في هذا العالم قد سبق به علم الله وتقديره له فحدد ذاته وصفاته وأعماله ومآله إلى جنة أو إلى نار، إن كان إنسانا أو جانا وليس هناك شيء يحدث بدون تقرير سابق له وعلم تام به قبل حدوثه. وقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} ١ يخبر تعالى عن قدرته كما أخبر عن علمه بأنه تعالى إذا أراد إيجاد شيء في الوجود لم يزد على أمرٍ واحد وهو كن فإذا بالمطلوب يكون كما أراد تعالا أزلاً أن يكون، وبسرعة كسرعة لمح البصر الذي هو نظرة سريعة. وقوله تعالى وهو يخاطب مشركي قريش {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} أي أمثالكم في الكفر والعصيان أي من الأمم السابقة {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي متذكر متعظ معتبر قبل فوات الوقت وحصول المكروه من العذاب في الدنيا وفي الآخرة. وقوله تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} أي أولئك المشركون {فِي الزُّبُرِ} أي في كتب الحفظة من الملائكة الكرام الكاتبين، وكل صغير وكبير من أعمالهم وأعمال غيرهم بل كل حادثةٍ في الأكوان هي مسطرة في اللوح المحفوظ كتاب المقادير. وقوله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ٢ وَنَهَر} هذا الإخبار يقابل الإخبار الأول أن المجرمين في ضلال وسعر فالأول إعلام وتحذير وترهيب وهذا إخبار وبشرا وترغيب حيث أخبر أن المتقين الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يفسقوا عن أمره إنهم في جنات بساتين ذات قصور وحور، وأنهار وأشجار هم جالسون في مقعد صدق٣ في مجلس حق لا لغو يسمع فيه ولا تأثيم يلحق جالسه عند٤ مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على ما فعل كل ما يريده سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه.


(إلا واحدة) أي: مرة واحدة (كلمح البصر) أي: قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر، واللمح، النظر بعجلة، يقال لمحه وألمحه: إذا أبصره بنظر خفيف.
٢ قرأ في غير السبع ونهر بضم النون والهاء جمع نهار أي لا ليل لهم كسحاب وسحب قال الفراء: أنشدني بعض العرب:
إن تلك ليلاً فإني نهر
متى أرى الصبح فلا أنتظر
وقال آخر:
لولا الثريدان هلكنا بالضحى
ثريد ليل وثريد بالنهر
(مقعد صدق) قال القرطبي: أي: مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة، والعندية هنا عندية القربى والزلفى والمكانة والرتبة العالية والمنزلة الشريفة في جوار أرحم الراحمين ورب العالمين.
(مليك) أبلغ من ملك وهو بمعنى: مالك، و (مقتدر) أبلغ من قادر، والتنكير في مليك، ومقتدر: للتعظيم.
م٨ أيسر التفاسير (المجلد الخامس

<<  <  ج: ص:  >  >>