للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأننا مؤمنون وأنتم كافرون، وسوف تستمر هذه المعاداة وهذه البغضاء بيننا وبينكم حتى تؤمنوا بالله وحده رباً وإلهاً لا رب غيره وإله سواه إذاً فأتسوا أيها المسلمون بإمام الموحدين إبراهيم اللهم إلا ما كان من استغفار إبراهيم لأبيه فلا تأتسوا به ولا تستغفروا لموتاكم المشركين فإن إبراهيم قد ترك ذلك لما علم أن أباه لا يؤمن وأنه يموت كافراً وأنه في النار فقال تعالى إلا قول إبراهيم١ لأبيه (آزر) لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء أي غير الاستغفار. وكان هذا عن وعد قطعه له ساعة المفارقة له إذ قال في سورة مريم: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} وجاء في سورة التوبة قوله تعالى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} .

وقوله تعالى {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} أي رجعنا من الكفر إلى الإيمان بك وتوحيدك في عبادتك، وإليك المصير. أي مصير كل شيء يعود إليك وينتهي عندك فتقضي وتحكم بما تشاء. ربنا لا تجعلنا فتنة٢ للذين كفروا أي لا تظهرهم علينا فيفتنونا في ديننا ويردونا إلى الكفر, ويفتنون بنا فيرون أنهم لما غلبونا أنهم على حق ونحن على باطل فيزدادون كفراً ولا يؤمنون. واغفر لنا ربنا أي ذنوبنا السالفة واللاحقة فلا تؤاخذنا بها إنك أنت العزيز الغالب المنتقم ممن عصاك الحكيم في تدبيرك لأوليائك فدبر لنا ما ينفعنا ويرضيك عنا. هذا الابتهال والضراعة من قوله تعالى ربنا عليك توكلنا إلى الحكيم من الجائز أن يكون هذا مما قاله إبراهيم والمؤمنون معه وأن يكون إرشاداً من الله للمؤمنين أن يقولوه تقوية لإيمانهم وتثبيتاً لهم عليه كما فعل ذلك إبراهيم ومن معه. وقوله تعالى لقد كان لكم فيهم٣ أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر تأكيد لما سبق وتقرير له وتحريك للهمم لتأخذ به. وقوله لمن٤ كان يرجو بالله واليوم الآخر إذ هم الذين ينتفعون بالعبر ويأخذون بالنصائح لحياة قلوبهم بالإيمان.

وقوله تعالى: ومن يتول أي عن الأخذ بهذه الأسوة فيوالي الكافرين فإن الله غني عن إيمانه وولايته له التي استبدلها بولاية أعدائه حميد أي محمود بآلائه وإنعامه على خلقه.


١ الاستثناء منقطع إذ هذا القول ليس من جنس قولهم: (إنا براء منكم) إذ قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك هو رفق بأبيه وهو مغاير للتبرؤ.
٢ هم: سارة زوجة ولوط ابن أخيه فهم المعنيون بقوله تعالى: (والذين معه) .
(فيهم) : أي في إبراهيم والمؤمنين معه، والأسوة لحسنة: القدوة الصالحة أي: اقتدوا بهم في البراءة من الشرك والمشركيهن.
٤ هذه الجملة بدل من جملة: (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ... ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>