للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لولا أخرتني: أي هلا أخرتني يطلب التأخير ولا يقبل منه.

فأصدق وأكن من الصالحين: أي حتى أزكي وأحج وأكثر من النوافل والأعمال الصالحة.

معنى الآيات:

قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ١ نادى تعالى المؤمنين لينصح لهم أن لا تكون حالهم كحال المنافقين الذين تقدم في السياق تأديبهم فقال لهم يا من آمنتم بالله ورسوله: لا تلهكم أموالكم٢ ولا أولادكم أي لا تشغلكم عن٣ ذكر الله بأداء فرائضه واجتناب نواهيه والإكثار من طاعته والتقرب إليه بأنواع القرب. ثم خوفهم نصحاً لهم بقوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} أي بأن ألهته أمواله وأولاده عن عبادة الله فأولئك البعداء هم الخاسرون يوم القيامة بحرمانهم من الجنة ونعيمها ووجودهم في دار العذاب لا أهل لهم فيها ولا ولد. وبالغ عز وجل في إرشادهم فقال: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} مبادرين الأجل فإنكم لا تدرون متى تموتون. من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول٤ متمنياً طالباً حاثاً في طلبه: رب أي يا رب لولا أخرتني إلى أجل قريب أي إلى وقت قريب من هذا فأصدق٥ بمالي، وأكن من الصالحين فأحج وأتقرب إليك يا رب بما تحب من أنواع القربات والطاعات ولكن لا ينفعه التمني ولا الطلب والدعاء، لأن حكم الله الأزلي أنه تعالى لن يؤخر ٦نفساً أي نفس إذا جاء أجلها أي إذا حضر وقت وفاتها وقوله تعالى: {وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} يحض المؤمنين على إصلاح أعمالهم والتزود لآخرتهم بإعلامهم بأنه مطلع على أعمالهم خبير بها.


١ قد تكون المناسبة بين هذه الآية وما سبقها هي قول المنافقين: (لا تنفقوا على من عند رسول الله) فحذر تعالى المؤمنين من التأثر بالنظرية المادية التي يحملها ابن أبي وصرخ بها، ودعاهم إلى الإنفاق في سبيل الله قبل فوات الأوان بالموت أو الفقر وقلة ما ينفقون.
(لا) هي النافية اشربت معنى النهي فجزمت المضارع وفي الآية دليل على أن ما لا يشغل عن ذكر الله من مال وولد لا إثم فيه.
٣ ذكر الله هنا مستعمل في الحقيقة والكناية فيشمل الذكر باللسان وهو فعل سائر الطاعات، والذكر بالقلب: وهو التذكر الموجب للطاعة.
٤ قال القرطبي: في الآية دليل على وجوب تعجيل أداء الزكاة ولا يجوز تأخيرها أصلا وكذلك سائر العبادات إذا تعين وقتها. وهو كما قال رحمه الله تعالى.
٥ المضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب، وجزم (أكن) لأنه في جواب الطلب مباشرة فلم تسبقه الفاء حتى يتعين نصبه بأن المضمرة.
(نفساً) نكرة في سياق النفي وهو (ولن يؤخر) تعم كل نفس، والمراد من النفس الروح وقيل فيها: نفس أخذاً من النفس وهو الهواء الذي يخرج من الأنف والفم من كل حيوان ذي رئة وسميت روحاً أخذاً من الروح بفتح الراء لأن الروح به، والروح: الراحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>