للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تمنن تستكثر: أي لا تمنن على ربك ما تقوم به من أعمال لأجله طاعة له.

فإذا نقر في الناقور: أي نفخ في الصور النفخة الثانية.

معنى الآيات:

قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ١} أي المتلفف في ثيابه والمراد به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى الزهري٢ قال فتر الوحي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فترة فحزن حزناً فجعل يعدو شواهق رؤوس الجبال ليتردى منها فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فيقول إنك نبي الله فيسكن جأشه وتسكن نفسه، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عن ذلك فقال بينما أنا أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني فزملناه أي فدثرناه فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر قال الزهري فأول شيء أنزل عليه أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. وعليه فهذا النداء الإلهي كان بعد فترة الوحي الأولى ناداه ملقبا له بهذا اللقب الجميل تكريما وتلطفا معه ليقوم بأعباء الدعوة وما أشد ثقلها، ومن يقدر عليها إنها أعباء ثقيلة اللهم لقد أعنت عليها رسولك فأعني على قدر ما أقوم به منها، وإن كان ما أقوم به منها لا يساوي جمرة من لظى ولا قطرة من ماء السماء. يا أيها المدثر في ثيابه يا محمد رسولنا قم فأنذر لم يبق لك مجال للنوم والراحة فأنذر قومك في مكة وكل الثقلين من وراء مكة أنذرهم عذاب النار المترتب على الكفر والشرك بالواحد القهار وربك فكبر أي وربك فعظمه تعظيماً يليق بجلاله وكماله فإنه الأكبر الذي لا أكبر منه والعظيم الذي لا أعظم منه فأعلن عن ذلك بلسانك قائلا الله أكبر وبحالك فلا تذل إلا له ولا ترغب إلا فيه وكبره بأعمالك فلا تأت منها إلا ما أذن لك فيه أو أمرك به {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي طهر ثيابك من النجاسات مخالفاً بذلك ما عليه قومك؛ إذ يجرون ثيابهم ولا يتنزهون من أبوالهم {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} أي والأصنام التي يعبدها قومك فاهجرها فلا تقربها ودم على هجرانها على دعوتك أجرا، ولا تمنن عطاء أعطيته لغيرك تستكثر به ما عندك إن ذاك مناف لأجمل الأخلاق وكريم السجايا وسامي الآداب. واربك وحده سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل إبلاغ رسالتك ونشر دعوتك دعوة الخير والكمال هذا الذي أدب به الله رسول الله في فاتحة دعوته. ثم نزل بعد فإذا نقر في الناقور والناقور البوق الذي ينفخ فيه اسرافيل والنقر يحدث صوتا


١ هذا يسمى بهدية الثواب وهي جائزة للأئمة محرمة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الآية. ولا تمنن تستكثر.
٢ روى أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ، فقال: أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>