للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَخْشَى} جاءك مسرعا يجري وراءك يناديك بأحب الأسماء إليك يا رسول الله والحال انه يخشى الله تعالى ويخاف عقابه فلذا هو يطلب ما يزكي به نفسه ليقيها العقاب والعذاب {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى١} أي تتشاغل بغيره {كَلاَّ} أي لا تفعل مثل هذا مرة أخرى. وقوله تعالى {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} أي هذه الآيات وما تحمل من عتاب حبيب إلى حبيب موعظة {فَمَنْ شَاءَ} من عباد الله {ذَكَرَهُ} أي ذكر الوحي والتنزيل {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} مكرمة عند الله تعالى مرفوعة في السماء مطهرة منزهة عن مس الشياطين لها {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} أي مطيعين لله صادقين هم الملائكة كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ وما أقرب هذا الوصف من مؤمن كريم النفس طاهر الروح يحفظ كتاب الله ويعمل به بيده مصحف يقرأه ويرتل كلام الله فيه وقد جاء في الصحيح٢ أن هذا العبد الذي وصفت مع السفرة الكرام البررة. اللهم اجعلني منهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

١- بيان مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه أشرف مقام وأسماه دل على ذلك أسلوب عتاب الله تعالى له حيث خاطبه في أسلوب شخص غائب حتى لا يواجهه بالخطاب فيؤلمه فتلطف معه، ثم أقبل عليه بعد أن أزال الوحشة يخاطبه وما يدريك.

٢- إثبات ما جاء في الخبر أدبني ربي فأحسن تأديبي فقد دلت الآيات عليه.

٣- بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتأديب ربه له مستوى لم يبلغه سواه، فقد كان إذا جاءه ابن أم مكتوم يوسع له في المجلس ويجلسه إلى جنبه ويقول له مرحبا بالذي عاتبني ربي٣ من اجله وولاه على المدينة مرات، وكان مؤذناً له في رمضان.

٤-استحالة كتمان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشيء من الوحي فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو كان للرسول أن يكتم شيئا من وحي الله لكتم عتاب الله تعالى له في عبس وتولى.


١ تلهى: أصلها تتلهى حذفت إحدى التائين تخفيفاً, وتلهى تطلب التلهي أو حصل له وهو الانشغال بشيء وترك الآخر.
٢ في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأه وهو يتعاهده وهو عليه شاق شديد فله أجران".
٣ قال الثوري فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ويقول: هل من حاجة؟ واستخلفه بالمدينة مرتين في غزوتين غزاهما قال أنس فرأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع وراية سوداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>