للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا١ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} فأخبر تعالى المؤمنين بأن سننه قد مضت فيمن قبلهم من الأمم كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، فقد أرسل الله تعالى إليهم رسله فكذبوهم فأمضى تعالى سننه فيهم فأهلك المكذبين وأنجى المؤمنين بعد ما نالهم من أذى المكذبين، وستمضي سننه اليوم كذلك، فينجيكم وينصركم ويهلك المكذبين أعداءكم. وإن ارتبتم فسيروا في الأرض وقفوا على آثار الهالكين، وانظروا كيف كانت عاقبتهم، ثم قال تعالى: هذا الذي ذكرت في هذه الآيات بيان للناس يتبينون به الحق من الباطل والهدى من الضلال، وهدى يهتدون به إلى سبيل السلام وموعظة يتعظ بها المتقون لاستعدادهم بإيمانهم وتقواهم للاتعاظ فيطيعون الله ورسوله فينجون ويفلحون هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (١٣٧) والثانية (١٣٨) وأما الآيتان الثالثة (١٣٩) والرابعة (١٤٠) فقد تضمنتا تعزيه الرب تعالى للمؤمنين فيما أصابهم يوم أحد، إذ قال تعالى مخاطباً لهم {وَلا تَهِنُوا} أي: لا تضعفوا فتقعدوا عن الجهاد والعمل، ولا تحزنوا على ما فاتكم من رجالكم، {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} أي: الغالبون لأعدائكم المنتصرون عليهم، وذلك فيما مضى وفيما هو آتٍ مستقبلا بشرط إيمانكم وتقواكم واعلموا أنه إن يمسسكم قرح بموت أو جراحات لا ينبغي أن يكون ذلك موهناً لكم قاعداً بكم عن مواصلة الجهاد فإن عدوكم قد مسه قرح مثله، وذلك في معركة بدر، والحرب سجال يوم لكم ويوم عليكم وهي سنة من سنن ربكم في الحياة. هذا معنى قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} ، ثم بعد هذا العزاء الكريم الحكيم ذكر تعالى لهم علة هذا الحدث الجلل، والسر فيه وقال: {وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} أي: ليظهر بهذا الحادث المؤلم إيمان المؤمنين وفعلاً فالمنافقون رجعوا من الطريق بزعامة رئيسهم المنافق الأكبر عبد الله بن أبي بن سلول، والمؤمنون واصلوا سيرهم وخاضوا معركتهم فظهر إيمانكم واتخذ الله منهم شهداء، وكانوا نحواً من سبعين شهيداً منهم أربعة من المهاجرين وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومصعب بن عمير٢ والباقون من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين. وقوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ٣ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: أوجد هذا الذي أوجده في أحد من جهاد وانكسار تخليصا


١ أي: بإقدامكم أو بأفهامكم، وعقولكم.
٢ وعبد الله بن جحش ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعثمان بن شماس.
٣ اصل التمحيص: تخليص الشيء من كل عيب، يقال: محصت الذهب؛ إذا أزلت خبثه.

<<  <  ج: ص:  >  >>