للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد فذكر تعالى هنا ما هو في تمام عتابه للمؤمنين في الآيات السابقة عن عدم صبرهم وانهزامهم وتخليهم عن نبيهم في وسط المعركة وحده حتى ناداهم: إليّ عباد الله إليّ عباد الله فثاب إليه رجال. فقال تعالى مخبراً بما يكون عظة للمؤمنين وعبرة لهم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} أي: وكم من نبي من الأنبياء السابقين قاتل معه جموع كثيرة من العلماء والأتقياء والصالحين فما وهنوا، أي: ما ضعفوا، ولا ذلوا لعدوهم ولا خضعوا له كما هم بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون، فصبروا على القنال مع أنبيائهم متحملين آلام القتل والجرح فأحبهم ربهم تعالى لذلك لأنه يحب الصابرين.

هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٤٦) ونصها: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا١ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} وأما الآية الثانية فأخبر تعالى فيها عن موقف أولئك الربيين وحالهم أثناء الجهاد في سبيله تعالى فقال: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا٢ فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} . ولازم هذا كأنه تعالى يقول للمؤمنين لم لا تكونوا أنتم مثلهم وتقولوا قولتهم الحسنة الكريمة وهي الضراعة لله تعالى بدعائه واستغفاره لذنوبهم الصغيرة والكبيرة والتي كثيراً ما تكون سبباً للهزائم والانتكاسات كما حصل لكم أيها المؤمنون فلم يكن لأولئك الربانيين من قول سوى قولهم: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فسألوا الله مغفرة ذنوبهم وتثبيتهم أقدامهم في أرض المعركة حتى لا يتزلزلوا فينهزموا، والنصرة على القوم الكافرين أعداء الله وأعدائهم فاستجاب لهم ربهم فأعطاهم ما سألوا وهو ثواب الدنيا بالنصر والتمكين وحسن ثواب الآخرة وهو رضوانه الذي أحله عليهم وهم في الجنة دار المتقين والأبرار، هذا ما دلت عليه الآية الأخيرة (١٤٨) {فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ٣ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}


١ استكان: مشتق من السكون لأن الذليل العاجز يسكن لمن خضع له، ولا يتحرك ليدفع عنه الأذى وما ناله من عدوه الغالب له.
٢ أخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني" وهو دعاء تواضع منه عظيم.
٣ في حسن الثواب والمحسنين جناس تام، والجملة تذييلية تحمل البشرى للقوم المحسنين في قتالهم ولقاء أعدائهم مع إحسانهم في عبادة ربهم وسواء منها القلبية والبدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>