للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} : سيدخلون سعيراً ناراً مستعرة يشوون فيها ويحرقون بها.

معنى الآيات:

لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال بحجة أن الطفل كالمرأة لا تركب فرساً ولا تحمل كلاً ولا تنكي عدواً، يكسب١ ولا تكسب، وحدث وحدث أن امرأة يقال لها: أم كحة، مات زوجها وترك لها بنتين فمنعهما أخو الهالك من الإرث فشكت: أم كحة إلى٢ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت هذه الآية الكريمة: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} ، ومن ثم أصبحت المرأة؛ كالطفل الصغير يرثان كالرجال، وقوله تعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ} أي: من المال المتروك {أَوْ كَثُرَ} حال كون ذلك نصيباً مفروضاً لابد من إعطائه الوارث ذكراً كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً. والمراد من الوالدين: الأب والأم، الأقربون٣؛ كالأبناء والإخوان والبنات والأخوات، والزوج والزوجات، هذا ما تضمنته٤ الآية الأولى (٧) ، وأما الآية الثانية (٨) فقد تضمنت فضيلة جميلة غفل عنها المؤمنون وهي أن من البر والصلة والمعروف إذا هلك هالك، وقدمت تركته للقسمة بين الورثة، وحضر قريب غير وارث لحجبه أو بعده أو حضر يتيم أو مسكين من المعروف أن يعطوا شيئاً من تلك التركة قبل قسمتها وإن تعذر العطاء؛ لأن الورثة يتامى أو غير عقلاء يصرف أولئك الراغبون من قريب ويتيم ومسكين بكلمة طيبة كاعتذار جميل تطيب به نفوسهم هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ٥ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} أي: من المال المتروك {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} إن تعذر إعطاؤهم لمانع يتم أو عقل. أما الآية الثالثة


١ يكسب، أي: الرجل، ولا تكسب، أي: المرأة.
٢ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن". فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم وإبطالاً لقولهم وتصرفهم الجاهلي، إذا المفروض أن الصغير والمرأة أولى بالإرث لحاجتهما وخوفهما.
٣ لفظ الأقربون مجمل، ومن هنا أرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سويد وعرفجة: "ألا يفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله جعل لبناته نصيباً ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا". فنزلت: {يوصِيكم الله} الآية، فأرسل إليهما أن أعطي أم محة الثمن مما ترك أوس، ولبناته الثلثين ولكما بقية المال.
٤ قوله تعالى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} اختلف أهل العلم في الشيء يتركه الموروث، وهو لا يقبل كالدار الصغيرة، والجوهرة الواحدة، وما إلى ذلك، فذهب بعض إلى إنه لابد من القسمة، وذهب آخرون، وهو الحق إن شاء الله تعالى: أن مالاً يقبل القسمة لفساده يباع ويقسم ثمنه على الورثة ولا شفعة فيه لأنه لا تأتي فيه الحدود، والشفعة فيما يقسم وتوقع فيه الحدود، وهذا ليس كذلك لتعذر قسمته، ويشهد لهذا الرأي حديث الدارقطني، ونصه: "لا تعضيه" أي: لا تفرقه على أهل الميراث إلا ما حمل القسم، فقرر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مالاً يقبل القسم لا يحوز تعضيته أي: تفريقه على الورثة لأنه يفسد بالقسمة فتعين أن يباع ويقسم ثمنه.
٥ الجمهور على أن هذه الآية منسوخة بأية: {يُوصِيكمْ الله فيِ أَوْلادُكم} الآية، وقال ابن عباس: "إنها محكمة" وعلى إنها غير منسوخة شرحناها في التفسير، فليتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>