للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالرضاع، وبالمصاهرة على شرط أن لا يزيد المرء على أربع كما هو ظاهر قوله تعالى في أول السورة: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ، وقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ، أي: لا حرج عليكم أن تطلبوا بأموالكم من النساء غير ما حرم عليكم فتتزوجوا ما طاب لكم حال كونكم محصنين غير مسافحين، وذلك بأن يتم النكاح بشروطه من الولي والصداق والصيغة والشهود، إذ أن نكاحاً بغير هذه الشروط فهو السفاح، أي: الزنا، وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ١ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} يريد تعالى: أيما رجل تزوج امرأة فأفضى إليها، أي: وطئها إلا وجب لها المهر كاملاً، أما التي لم يتم الاستمتاع بها بأن طلقها قبل البناء فليس لها إلا نصف المهر المسمى، وإن لم يكن قد سمى لها إلا المتعة، فالمراد من قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ٢} أي: بنيتم بهن ودخلتم عليهن. وقوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} يريد إذا أعطى الرجل زوجته ما استحل به فرجها، وهو المهر كاملاً فليس عليهما بعد ذلك من حرج في أن تسقط المرأة من مهرها لزوجها، أو تؤجله أو تهبه كله له أو بعضه إذ ذاك لها وهي صاحبته كما تقدم {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء/٤] .

وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} المراد مه إفهام المؤمنين بأن الله تعالى عليم بأحوالهم حكيم في تشريعه فليأخذوا بشرعة ورخصه وعزائمه، فإنه مراعى فيه الرحمة والعدل، ولنعم تشريع يقوم على أساس الرحمة والعدل.

هذا ما تضمنته الآية الأولى (٢٤) ، أما الآية الثانية (٢٥) وهي قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ... ٣} فقد تضمنت بيان رحمة الله بعباده المؤمنين إذ رخص لمن لم يستطع نكاح الحرائر لقلة ذات يده، مع خوفه العنت الذي هو الضرر في دينه بالزنى، أو في بدنه


١ استدل الروافض بهذه الآية: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} على جواز نكاح المتعة، وهو استدلال فاسد وباطل، ويكفي في بطلانه؛ إجماع أهل السنة والجماعة على بطلانه، وإنه زنا إلى أنه لا يقام على صاحبه حد الرجم بالشبهة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ادرءوا الحدود بالشبهات". ونكاح المتعة رخص فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة ثم أعلن عن حرمته. أعلن ذلك في حجة الوداع ليعلم كل إنسان ذلك، ومن الأدلة على حرمة المتعة: أن المتمتع بها لا ترث، والزوجة الشرعية ترث الربع والثمن.
٢ الاستمتاع: التلذذ، والأجور: هي المهور، وسمي المهر: أجراً؛ لأنه أجر الاستمتاع، وهذا دليل على أنه في مقابلة البضع، إذ كل ما يقابل المنفعة يسمى أجراً.
٣ اختلف في تحديد معنى الطول وأرجح الأقوال أنه: سعة المال، وعليه فلا يباح نكاح الأمة إلا بشرطين: عدم السعة في المال، وخوف العنت. فلا يصح نكاح الأمة إلا باجتماعهما، ومن كانت تحت حرة لا يجوز أن ينكح عليها أمة؛ لأن الحرة تدفع الحرة تدفع العنت عنه. وحكى الإجماع على من كانت له أمة لا يحل له أن يتزوجها، بل يطئها بملك اليمين، وذلك لتعارض حق الملك مع حق الزوجية، وإذا أعتقها فأصبحت حرة فله؛ حينئذ أن يتزوجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>