للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتعالى بعنوان العلم والمعرفة وهو نسبتهم إلى الكتاب الذي هو التوراة آمراً إياهم بالإيمان بكتابه، أي: القرآن الكريم وبمن أنزله عليه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ الإيمان بالمنزل إيمان بالمنزل عليه ضمنا. فقال: {آمنوا} بالفرقان المصدق لما معكم من أصول الدين ونعوت الرسول والأمر بالإيمان به ونصرته خفوا إلى الإيمان واتركوا التردد من قبل أن يحل بكم ما حل ببعض أسلافكم حيث مسخوا قردة وخنازير {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً١} فنذهب حدقة أعينها وشاخص أنوفها ونُغلق أفواهها فتصبح الوجوه أقفاء، والأقفاء وجوهاً يمشون القهقراء وهو معنى قوله: {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} أي: الذين اعتدوا منكم في السبت حيث صادوا فيه، وهو محرم عليهم فمسخهم قردة خاسئين. {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ} أي: مأموره {مَفْعُولاً} ناجزاً، لا يتخلف ولا يتأخر لأن الله تعالى لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.

هداية الآية

من هداية الآية:

١- المفروض أن ذا العلم يكون أقرب إلى الهداية، ولكن من سبقت شقوته لما يعلم الله تعالى من اختياره الشر والإصرار عليه لا ينفعه العلم، ولا يهتدي به هؤلاء اليهود الذين دعاهم الله تعالى إلى الإيمان فلم يؤمنوا.

٢- وجوب تعجيل التوبة قبل نزول العذاب وحلول ما لا يحب الإنسان من عذاب ونكال.

٣- قد يكون المسخ في الوجه بمسخ الأفكار والعقول فتفسد حياة المرء وتسوء، وهذا الذي حصل ليهود المدينة. فنقضوا عهودهم فهلك من هلك منهم وأجلى من أجلى نتيجة إصرارهم على الكفر وعداء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.

{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ٢ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}


١ قال مالك رحمه الله تعالى: "كان أول إسلام كعب الأحبار أنه مر برجل من الليل وهو يقرأ هذه الآية: {يَا أهْل الكتاب ... } إلخ. فوضع كفيه على وجهه ورجع القهقري إلى بيته فأسلم مكانه، وقال: والله لقد خفت ألا أبلغ بيتي حتى يطمس وجهي".
٢ روى الترمذي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} "، قال هذا حديث حسن غريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>