للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقتال قومهم فهؤلاء الذين يلم يستسيغوا قتالكم ولا قتال قومهم إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم واصبروا عليهم، إذ لو شاء الله تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم هذا الصنف هو المعنى بقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} فما دام الله تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم. هذا معنى قوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} . أي: المسالمة والمهادنة {فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً١} . لأخذهم وقتالهم. هذا وهناك صنف آخر ذكر تعالى حكم معاملته في الآية الخامسة والأخيرة (٩١) ، وهي قوله تعالى: ستجدون قوماً آخرين٢ غير الصنفين السابقين {يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ٣} فهم إذاً يلعبون على الحبلين كما يقال {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} أي: إلى الشرك {أُرْكِسُوا فِيهَا} أي: وقعوا فيها منتكسين، إذ هم منافقون، إذ كانوا معكم عبدوا الله وحده، وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك، وهو معنى قوله تعالى: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} ، وقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي: إن لم يعتزلوا قتالكم ويلقوا إليكم السلام، وهو الإذعان والانقياد لكم، ويكفوا أيديهم فعلاً عن قتالكم {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} أي: حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم وعلى أي حال. هذا ما دلت عليه الآيات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة إلا أن لإمام المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر، ولكن خارج جزيرة العرب إذ لا ينبغي أن يجتمع فيها دينان.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

١- وجوب توحيد الله تعالى في عبادته.

٢- الإيمان بالبعث والجزاء.


١ {سبيلا} : أي: إذناً بقتالهم بعد أن أمركم بقتال غيرهم، حيث وجدتموهم ممكنين منهم.
٢ {سَتَجِدوُن} الوجدان هنا، بمعنى الإطلاع والعثور، أي: ستطلعون على قوم آخرين وصفهم كذا أو كذا.
٣ أي: لا هم لهم إلا حظوظ أنفسهم، ولا سعي لهم إلا في خويصيتهم، فهم يظهرون المودة للمسلمين ليأمنوهم ويظهروها لقومهم ليؤمنوا أيضاً، قيل: هم غطفان وبنو أسد، قبل أن يحسن إسلامهم، وبنو عبد الدار بمكة أيضاً. إذ كانوا يأتون المدينة مظهرين الإسلام، ثم إذا عادوا إلى مكة عبدوا الأصنام.

<<  <  ج: ص:  >  >>