للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مِيثَاقٌ} : عهداً مؤكد بالأيمان.

{مُتَعَمِّداً} : مريداً قتله وهو ظالم له.

معنى الآيات:

لما ذكر تعالى في الآيات السابقة قتال المنافقين متى يجوز ومتى لا يجوز ناسب ذكر قتل المؤمن الصادق في إيمانه خطأ وعمداً وبيان حكم ذلك، فذكر تعالى في الآية الأولى (٩٢) أنه لا ينبغي١ لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا في حال الخطأ، أما في حال العمد فلا يكون ذلك منه ولا يتأتى له وهو مؤمن؛ لن الإيمان نور يكشف عن مدى قبح جريمة قتل المؤمن وما وراءها من غضب الله تعالى وعذابه فلا يقدم على ذلك اللهم إلا في حال الخطأ، فهذا وارد وواقع، وحكم من قتل خطأ أن يعتق رقبة ذكراً كانت أو أنثى مؤمنة وأن يدفع الدية لأولياء القتيل إلا أن يتصدقوا بها فلا يطالبوا بها ولا يقبلونها والدية مائة من٢ الإبل، أو ألف دينار ذهب، أو اثنا عشر ألف درهم فضة. هذا معنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً٣ إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ٤ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} فإن كان القتيل مؤمناً ولكن من قوم هم عدو للمسلمين محاربين، فالواجب على القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير، إذ لا تعطى الدية لعدو يستعين بها على حرب المسلمين وإن كان القتيل من قوم كافرين وهو مؤمن أو كافر ولكن بيننا وبين قومه معاهدة، على القاتل تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهله، فمن لم يجد الرقبة فصيام شهرين متتابعين، فذلك توبته لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً٥ مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} عليماً بما يحقق المصلحة لعباده


١ فالنفي في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً} ليس نفي الفعل حتى يقال: ما نفاه الله لا يجوز وجوده، وإنما هو نفي الحال والشأن لا الفعل، فليتأمل.
٢ ومن الغنم: ألف شاة، وهل الإبل تخمس خلاف، ومذهب الشافعي ومالك أنها تخمس؛ فعشرون حقه، وعشرون جزعه، وعشرون بنات مخاص، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور. وتغلظ دية العمد، بأن يكون أربعون منها في بطونها أولاده، وشبه العمد: ما كان بأداة لا تقتل عادة؛ كالعصا ونحوها لحديث: "ألا أن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها".
٣ قيل: نزلت هذه الآية في عياش ابن أبي ربيعة، إذ قتل الحارث بن زيد العامري، لإحنة كانت بينهما، وكان الحارث قد أسلم، ولم يعلم عياش بإسلامه فكان قتله خطأ، وقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} أي: فعليه تحرير رقبة.
٤ أكثر أهل العلم: أن دية المرأة على نصف دية الرجل، وإن دية الجنين إذا سقط حياً دية كاملة، وإذا سقط ميتاً فديته غرة عبد أو أمة، ومعنى: غرة: أن يكون أبيض لا أسود فيقوم العبد وتعطي قيمته دية.
٥ {تَوبة} منصوب على المصدر، أي: تاب الله عليه توبة، أي: مشروعية الكفارة في قتل الخطأ كانت توبة من الله على العبد القاتل خطأ. وعلة الكفارة أنه لم يتحرز ولم يتحفظ فلذا وقع منه القتل، فكان لابد من مكفر لما لحقه من الإثم بالتفريط، أما القاتل عمداً فلا كفارة تجزئه. وهل له من توبة؟ عليه أن يتون، ومن توبته أن يعتق أو يتصدق ويصوم رجاء أن يتوب الله عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>