للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى في هذه الآيات الهجرة وأحكامها، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ١ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} حيث تركوا الهجرة ومكثوا في دار الهون يضطهدهم العدو ويمنعهم من دينهم ويحول بينهم وبين عبادة ربهم. هؤلاء الظالمون لأنفسهم تقول لهم الملائكة عند قبض أرواحهم {فِيمَ كُنْتُمْ٢} ؟ تسألهم هذا السؤال؛ لأن أرواحهم مدساة مظلمة لأنها لم تزك على الصالحات، فيقولون متعذرين: {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} فلم نتمكن من تطهير أرواحنا بالإيمان وصالح الأعمال، فترد عليهم الملائكة قولهم: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} وتعبدوا ربكم؟ ثم يعلن الله عن الحكم فيهم بقوله: {فَأُولَئِكَ} البعداء {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} وساءت جهنم مصيراً يصيرون إليه ومأوى ينزلون فيه. ثم استثنى تعالى أصحاب الأعذار كما استثناهم في القعود عن الجهاد في الآيات قبل هذه فقال عز من قائل: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ٣ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} ، واستضعاف الرجال يكون بالعلل٤، والنساء والولدان بالضعف الملازم لهم، هؤلاء الذين لا يستطيعون حيلة، أي: لا قدرة لهم على التحول والانتقال لضعفهم، {وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} إلى دار الهجرة لعدم خبرتهم بالدروب والمسالك فطمعهم تعالى ورجاهم بقوله: {فَأُولَئِكَ} المذكورون {عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} فلا يؤاخذهم ويغفر لهم بعض ما قصروا فيه ويرجمهم لضعفهم وكان الله غفوراً رحيماً.

هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث.

أما الآية الرابعة (١٠٠) فقد أخبر تعالى فيها أن من يهاجر في سبيله تعالى لا في سبيل دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها يجد بإذن الله تعالى في الأرض مذهباً يذهب إليه وداراً ينزل بها ورزقاً واسعاً يراغم به عدوه الذي اضطهده حتى هاجر من بلاده، فقال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} ثم أخبر تعالى أن من خرج مهاجراً


١ روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ..} الآية.
٢ الاستفهام للتوبيخ والتقريع.
٣ قال ابن عباس: "كنت أنا وأمي من عنى الله بهذه الآية". وأم ابن عباس هي: لبابة، وتكنى أم الفضل، وهي أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنهما.
٤ وهي الزمانة، وتكون بالعرج والعمي والشلل ونحوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>