للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شاء، ولا يحل له أن يحبسها في بيته لأجل مالها، وإن كانت جميلة وأراد أن يتزوجها فليعطها مهر مثيلاتها ولا يبخسها حقها من مهرها شيئاً. وقوله: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} أي: وقد أفتاكم بما يتلى عليكم من الآيات في أول السورة في المستضعفين من الولدان حيث قد أعطاهم حقهم وافياً في آية {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية.

فلم هذه المراجعات والاستفتاءات؟ وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} أي: وما تلى عليكم في أول السورة كان آمراً إياكم بالقسط لليتامى والعدل في أموالهم فارجعوا إليه في قوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} ، وقوله تعالى في ختام الآية {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} حث لهم على فعل الخير بالإحسان إلى الضعيفين المرأة واليتيم زيادة على توفيتهما حقوقهما وعدم المساس بها. هذا ما دلت عليه الآية الكريمة: {وَيَسْتَفْتُونَكَ ... } إلخ.

أما الآية الثانية (١٢٨) {وَإِنِ امْرَأَةٌ١ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ٢ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} فقد تضمنت حكماً عادلاً رحيماً وإرشاداً ربانياً سديداً وهو أن الزوجة إذا توقعت من زوجها نشوزاً، أي: ترفعاً أو إعراضاً عنها، وذلك لكبر سنها أو لقلة جمالها، وقد تزوج غيرها في هذا الحال في الإمكان أن تجري مع زوجها صلحاً يحفظ لها بقاءها في بيتها عزيزة محترمة فتتنازل له عن بعض حقها في الفراش وعن بعض ما كان واجباً لها وهذا خير لها من الفراق. ولذا قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ٣} يريد أن الشح ملازم للنفس البشرية لا يفارقها والمرأة كالرجل في هذا إلا أن المرأة أضمن وأشح بنصيبها في الفراش وبباقي حقها من زوجها. إذاً فليراع الزوج هذا، ولذا قال تعالى: {وَإِنْ تُحْسِنُوا} أيها الأزواج إلى نسائكم {وَتَتَّقُوا} الله تعالى


١ خافت، أي: توقعت وليس بمعنى تيقنت.
٢ روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} ، قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول له: أجعلك من شأني في حل. فنزلت هذه الآية. كما روي أن الآية نزلت في سودة أم المؤمنين لما أسنت، أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطلقها فآثرت الكون معه. فقالت له: امسكني واجعل يومي لعائشة. ففعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وماتت وهي من أزواجه. رواه الترمذي. قالوا في الفرق بين النشوز والإعراض: أن النشوز هو: التباعد عنها. وأن الإعراض: أن لا يكلمها ولا يأنس بها.
٣ الشح: هو البخل، ومنه الحديث: "أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى"، غير أن الشح يطلق على حرص النفس على الحقوق وقلة التسامح فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>