للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} : أي: نستول عليكم ونمنعكم من المؤمنين إن قاتلوكم.

{سَبِيلاً} : أي: طريقاً إلى إذلالهم واستعبادهم والتسلط عليهم.

معنى الآيات:

قوله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} يأمر الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخبر المنافقين بلفظ البشارة؛ لأن المخبر به يسوء وجوههم وهو العذاب الأليم، وقد يكون في الدنيا بالذل والمهانة والقتل، وأما في الآخرة فهو أسوأ العذاب وأشده، وهو لازم لهم لخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم، ثم وصفهم تعالى بأخس صفاتهم وشرها فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ١ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فيعطون محبتهم ونصرتهم وولاءهم للكافرين ويمنعون ذلك المؤمنين وذلك لأن قلوبهم كافرة آثمة لم يدخلها إيمان ولم يُنرها عمل الإسلام، ثم وبخهم تعالى ناعياً عليهم جهلهم فقال: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} أي: يطلبون العزة، أي: المنعة والغلبة من الكافرين أجهلوا أم عموا فلم يعرفوا أن {الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} فمن أعزه الله عز ومن أذله ذل، والعزة تطلب الإيمان وصالح الأعمال لا بالكفر والشر والفساد. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (١٣٨) والثانية (١٣٩) .

أما الآية الرابعة (١٤٠) فإن الله تعالى يؤدب المؤمنين فيذكرهم بما أنزل عليهم في سورة الأنعام حيث نهاهم عن مجالسة أهل الباطل إذا خاضوا في الطعن في آيات الله ودينه فقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هذا الأدب أخذ الله تعالى به رسوله والمؤمنين، وهم في مكة قبل الهجرة لأن سورة الأنعام مكية ولما هاجروا إلى المدينة، وبدأ النفاق وأصبح للمنافقين مجالس خاصة ينتقدون فيها المؤمنين ويخوضون فيها في آيات الله تعالى استهزاء وسخرية ذكر الله تعالى المؤمنين بما أنزل عليهم في مكة فقال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ٢ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ٣ حَتَّى


١ في الآية دليل على حرمة موالاة الكافرين وأنها من صفات المنافقين، ومن مظاهر الموالاة المحرمة الاستعانة بهم على أمور الدين وعلى أذية المسلمين. وفي الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحق به مشرك ليقاتل معه، فقال له: "ارجع فإنا لا نستعين بمشرك". في الصحيح.
٢ أوقع السماع على الآيات، والمراد سماع الكفر، والاستهزاء بها، كما يقال: سمعت فلانًا يلام، أي: سمعت اللوم فيه.
٣ قوله: {في حديث غيره} أي: في غير الكفر والاستهزاء بالآيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>