للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها صادقاً علم تعالى ذلك منه وسهل له طرقها وهيأ له أسبابها، ومن ذلك أنه يشرح١ صدره لقبول الإيمان وأنواره فيؤمن ويسلم ويحسن فيكمل ويسعد، ومن طلب الغواية ورغب فيها صادقاً علم الله تعالى ذلك منه فهيأ له أسبابها وفتح له بابها فجعل صدره ضيقاً٢ حرجاً لا يتسع لقبول الإيمان وحلول أنواره فيه حتى لكأنه يتكلف الصعود إلى السماء وما هو بقادر هذه سنته في الهداية والإضلال، وقوله تعالى {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} أي كذلك الفعل في الهداية والإضلال يجعل الله الرجس٣ أي يلقي بكل ما لا خير فيه على قلوبهم من الكبر والحسد والشرك والكفر والشيطان لقبول المحل لكل ذلك نتيجة خلوه من الإيمان بالله ولقائه.

وقوله تعالى {وهذا صراط ربك مستقيماً} يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشيراً إلى ما بينه من الهدى وهذا طريق ربك مستقيماً فاسلكه والزمه فإنه يفضي بك إلى كرامة ربك وجواره في جنات النعيم. وقوله: {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} يمتن تعالى وله الحمد والمنة بما أنعم به على هذه الأمة من تفصيل الآيات حججاً وبراهين وشرائع ليهتدي طالبوا الهدى المشار إليهم بقوله {لقوم يذكرون} فيذكرون فيؤمنون ويعملون فيكملون ويسعدون في دار السلام إذ قال تعالى {لهم٤ دار السلام عند ربهم وهو وليهم} أي متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا والإنعام والتكريم في الآخرة {بما كانوا يعملون} من الصالحات.

هذا ما دلت عليه الآيات الأولى والثانية والثالثة أما الآية الرابعة (١٢٨) فقد تضمنت عرضاً سريعاً ليوم القيامة الذي هو ظرف للجزاء على العمل في دار الدنيا فقال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعاً} ٥ إنسهم وجنهم ويقول سبحانه وتعالى {يا معشر الجن قد استكثرتم٦ من الإنس} أي في إغوائهم وإضلالهم، {وقال أولياؤهم من الإنس} أي الذين كانوا


١ الشرح أصله التوسعة وشرح الأمر بيّنه وأوضحه ومنه تشريح اللحم والشريحة منه القطعة. وشرح الصدر لقبول الحق توسعته لتقُّبل ما يلقى إليه من الهدى وفي الحديث الصحيح "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
٢ الحرج والحرج بالفتح والكسر قراءتان وهو الضيق وكل ضيق حرج والحرجة الغيضة والجمع حروج وحرجات وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الحرج موضع الشجر الملتف فقلب الكافر لضيقه لا تصل إليه المعرفة كما لا تصل الشاة إلى الشجر الملتف أو تدخل رأسها بين الشجر فيصعب عليها إخراجه فتقع في حرج، والحرج الإثم.
٣ أصل الرجس في اللغة النتن وقال مجاهد: الرجس ما لا خير فيه فكما يجعل صدر الكافر ضيقاً لا يقبل الهدى يجعل عليه الرجس فيقبل كل خبيث نتن من الأقوال والاعتقادات.
٤ دار السلام الجنة والسلام هو الله فدار السلام كبيت الله وهناك معنى آخر وهو أنها دار السلامة من كل أذى ومكروه وآفة.
٥ نُصب الظرف بفعل محذوف تقديره يقول يوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن الخ.
٦ حذف لفظ الاستمتاع إيجازاً لدلالة السياق وحرف الجر عليه أي قد استكثرتم من الاستمتاع من الإنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>