للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي ما كتب لهم في اللوح المحفوظ من خير وشر وسعادة أو شقاء١ {حتى٢ إذا جاءتهم رسلنا} أي ملك الموت وأعوانه {يتوفونهم} يقولون لهم {أين ما كنتم تدعون من دون الله} أي تعبدون من أولياء؟ فيجيبون قائلين: {ضلوا عنا} أي غابوا فلم نرهم. قال تعالى: {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} ويوم القيامة يقال لهم {ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس} في النار، فيدخلون {كلما دخلت أمة لعنت أختها} فلعن المشركون بعضهم بعضاً، واليهود والنصارى كذلك، {حتى إذا اداركوا فيها جميعاً} أي تلاحقوا وتم دخولهم النار أخذوا يشتكون {قالت أخراهم لأولاهم ربنا} أي يا ربنا {هؤلاء أضلونا} عن صراطك فلم نعبدك {فأتهم عذاباً ضعفاً} أي مضاعفاً {من النار} ، فأجابهم الله تعالى بقوله {لكل ضعف} لكل واحدة منكم ضعف من العذاب {ولكن لا تعلمون} ، إذ الدار دار عذاب فهو يتضاعف على كل من فيها، وحينئذ {قالت أولاهم لأخراهم ما كان لكم علينا من٣ فضل، فذوقوا٤ العذاب بما كنتم تكسبون} أي من الشرك والافتراء على الله والتكذيب بآياته، ومجانبة طاعته وطاعة رسوله.

هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث أما الآيتان الرابعة والخامسة فإن الرابعة قررت حكماً عظيماً وهو أن الذين كذبوا بآيات الله واستكبروا٥ عنها فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعاشوا عاد الشرك والشر والفساد هؤلاء إذا مات أحدهم وعرجت الملائكة بروحه إلى السماء لا تفتح له أبوب السماء٦، ويكون مآلهم النار كما قال تعالى {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فعلق دخولهم الجنة على مستحيل وهو دخول الجمل في ثقب الإبرة، والمعلق عاد مستحيل مستحيل. قال تعالى: {وكذلك نجزي المجرمين} على أنفسهم حيث أفسدوها بالشرك والمعاصي. هذا ما تضمنته الآية الرابعة، وهي قوله تعالى: {إن الذين


١ أي: في الدنيا لا في الآخرة فهم أصحاب النار هم فيها خالدون ولا سعادة مع دخول النار.
٢ حتى هنا: ابتدائية وليست غائية إذ هي بداية خبر المكذبين المستكبرين المعرضين. قال سيبويه: حتى، وإمّا، وألاَّ لا يُمَلْن لأنهن حروف وكتبت حتى بالياء لأنها أشبهت سكرى وحبلى.
٣ {مِنْ} زائدة لتأكيد نفي الفضل.
٤ الذوق هنا: مستعمل للإهانة والتشفي والباء في {بما كنتم تكسبون} سببية.
٥ جملة: {إنّ الدين} الخ مستأنفة استئنافاً ابتدائياً سيقت لتحقيق خلود الفريقين في النار معاً والفريقان هما أولاهما وأخراهما في الآية إذ كلا الفريقين كان مكذباً مستكبراً.
٦ القول بأنّ قوله تعالى: {لا تفتح لهم أبواب السماء} : كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الجزاءات الإلهية قول باطل لأنّه تأويل يبطل به ما أخبر تعالى به من أنّ للسماء أبواب إذ أيّ مانع إن يكون للسماء أبواب لا يدخل معها ملك ولا جني ولا إنسان إلا بإذن ولكل بناء أبواب بحسبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>