للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحب أن يعبد به وبما من شأنه أن يكملهم ويسعدهم في الدارين وقوله {قد جاءتكم١ بينة من ربكم} أي آية واضحة تشهد لي بالرسالة وبما أن ما آمركم به وأنهاكم عنه هو من عند الله تعالى إذاً {فأوفوا الكيل والميزان} أي بالقسط الذي هو العدل، {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} بل أعطوهم ما تستحقه بضائعهم من الثمن بحسب جودتها ورداءتها {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} أي في البلاد بعد إصلاحها، وذلك بترك الشرك والذنوب ومن ذلك ترك التلصص وقطع الطرق، وترك التطفيف في الكيل والوزن وعدم بخس سلع الناس وبضائعهم ذلكم الذي دعوتكم إليه من الطاعة وترك المعصية خير لكم حالاً ومالاً إن كنتم مؤمنين وقوله: {ولا تقعدوا بكل صراط٢ توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً٣} ينهاهم عليه السلام عن أبشع الإجرام وهو أنهم يجلسون في مداخل البلاد، وعلى أفواه السكك، ويتوعدون٤ المارة بالعذاب إن هم اتصلوا بالنبي شعيب وجلسوا إليه صرفاً للناس عن الإيمان والاستقامة، كما أنهم يقطعون الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة.

وقوله {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} يذكرهم عليه السلام بنعمة الله تعالى عليهم وهي أنهم أصبحوا شعباً كبيراً بعدما كانوا شعباً صغيراً لا قيمة له ولا وزن بين الشعوب وقوله: {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} يعظهم ببيان مصير الظلمة المفسدين من الأمم المجاورة والشعوب حيث حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فهلكوا يعظهم لعلهم يذكرون فيتركوا الشرك والمعاصي، ويعملوا بالتوحيد والطاعة.

وأخيراً يخوفهم بالله تعالى ويهددهم بأن حكماً عدلاً هو الله سيحكم بينهم وعندها يعلمون من هو المحق ومن هو المبطل فقال: {وإن كان طائفة منكم} أي جماعة {آمنوا بالذي أرسلت به} من التوحيد والطاعة وترك الشرك والمعاصي، {وطائفة} أخرى {لم يؤمنوا} وبهذا كنا متخاصمين نحتاج إلى من يحكم بيننا إذاً {فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير


١ من الجائز أن يكون الله تعالى قد أعطى نبيّه شعيباً آية ولم تذكر في القرآن، والراجح أنّها حجة قوية قهرهم بها ولم يتمكنوا من ردّها.
٢ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعّدون من أراد المجيىء إليه ويصدّونه عنه ويقولون: إنّه كذّاب فلا تذهب إليه، كما كانت قريش تفعله مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ قال أبو عبيدة والزجاج: كسر العين عوجاً في المعاني، والفتح عَوَجاً في الإجرام والذوات.
٤ قال أبو هريرة رضي الله عنه هذا نهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>