للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن يريدوا خيانتك.: أي الأسرى.

فقد خانوا الله من قبل: أي من قبل وقوعهم في الأسر وذلك بكفرهم في مكة.

فأمكن منهم: أي أمكنكم أنتم أيها المؤمنون منهم فقتلتموهم وأسرتموهم.

والله عليم حكيم: عليم بخلقه حكيم في صنعه وتدبيره.

معنى الآيتين:

هذه الآية الكريمة نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إذ كان يقول هذه الآية نزلت في وذلك أنه بعد أن وقع في الأسر١ أسلم وأظهر إسلامه وطلب من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد عليه ما أخذ منه من فدية فأبى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فأنزل الله تعالى قوله {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً} أي إسلاماً حقيقياً {يؤتكم خيراً} أي مالاً خيراً {مما أخذ منكم٢، ويغفر لكم} ذنوبكم التي كانت كفراً بالله ورسوله، ثم حرباً على الله ورسوله، {والله غفور} يغفر ذنوب عباده التائبين {رحيم} بعباده المؤمنين فلا يؤاخذهم بعد التوبة عليها بل يرحمهم برحمته في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى {وإن يريدوا٣ خيانتك} أي وإن يُرد هؤلاء الأسرى الذين أخذ منهم الفداء ونطقوا بالشهادتين مظهرين إسلامهم خيانتك والغدر بك بإظهار إسلامهم ثم إذا عادوا إلى ديارهم عادوا إلى كفرهم، فلا تبال٤ بهم ولا ترهب جانبهم فإنهم قد خانوا الله من قبل بكفرهم وشركهم {فأمكن منهم} المؤمنين وجعلهم في قبضتهم وتحت إمْرَتِهم، ولو عادوا لعاد الله تعالى فسلطكم عليهم وأمكنكم منهم وقوله تعالى {والله عليم حكيم} أي عليم بنيات القوم وتحركاتهم حكيم فيما يحكم به عليهم ألا فليتقوه عزّ وجل وليحسنوا


١ أسره رضي الله عنه أبو اليسر كعب بن عمرو أخر بني سلمة، وكان رجلاً قصيرا والعباس رضي الله عنه ضخما طويلا فلما جاء به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: "لقد أعانك عليه ملك" وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: "افد نفسك فقال: لقد كنت مسلماً يا رسول الله فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والله أعلم بإسلامك فإن تكن كما تقول فالله يجزيك بذلك، فأمّا ظاهر أمرك فكان علينا فافد نفسك وابني أخويك نوفل وعقيل" ففعل وفيه نزلت هذه الآية {يا أيها النبي قل ... " الخ.
٢ روى مسلم أنه لما قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مال من البحرين قال له العباس إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "خذ فبسط ثوبه وأخذ ما استطاع أن يحمله، وقال: هذا خير مما أخذ مني وأنا أرجو أن يغفر الله لي".
٣ في هذه الآية تطمين لنفس الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليبلغ مضمونه إلى الأسرى فيعلموا أنهم لا يغلبون الله ورسوله. والخيانة: نقض العهد، وما في معنى العهد كالأمانة ونحوها.
٤ هذا هو جواب إن الشرطية المحذوف، وقد دلّ عليه؟ : {فقد خانوا الله من قبل} .

<<  <  ج: ص:  >  >>