للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبول الفداءِ من الأسرى والرجوعُ إلى المدينة:

قال المصنف: «ثم إن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم استشارَ أصحابَه في الأسارى: ماذا يصنعُ بهم؟ فأشار عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه بأن يُقتلوا، وأشار أبو بكرٍ رضي الله عنه بالفِدَاء، وَهَوِيَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، فحلَّل لهم ذلك، وعاتبَ الله في ذلك بعضَ المعاتبة في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الآيات [الأنفال: ٦٧]. وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما حديثاً طويلاً فيه بيان هذا كله (١).

ورجعَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ مؤيداً مظفراً منصوراً، قد أعلى الله كلمته، ومكَّن له، وأعزّ نصره، فأسلم حينئذ بشرٌ كثيرٌ من أهلِ المدينةِ، ومن ثم دَخَلَ عبدُ الله بنُ أُبيّ بن سَلُول وجماعته من المنافقين في الدين تَقِيَّة».

الكلام عليه من وجوه:

١ ــ في قبوله صلى الله عليه وسلم الفداء من أسرى بدر دليل على عظم رحمته وشدة شفقته في تعامله مع أعدائه المهزومين الذين حاربوه وحرصوا على قتله.

٢ ــ وقد ذكر جمع من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين يوم بدر أن يكرموا الأسرى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء (٢)، والقرآن الكريم يشهد لهذا في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً، وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان: ٨].

٣ ــ وثبت أن بعض أسرى بدر ممن لم يكن لهم مال يفدون به أنفسهم،


(١) صحيح مسلم «١٧٦٣».
(٢) تفسير الطبري ٢٤/ ٩٧، تفسير ابن كثير ٨/ ٢٨٨.

<<  <   >  >>