قال المصنف:«ولمَّا أنزل الله عزَّ وجلَّ على رسُولِه {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون}[التَّوْبَةِ: ٢٩] نَدَبَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ المدينةِ ومن حولهم من الأعرابِ إلى الجهادِ، وأعلَمَهم بغزو الروم، وذلك في رجب من سنة تسعٍ، وكان لا يريد غزوةً إلَّا ورَّى بغيرها، إلا غزوته هذه، فإنه صرَّح لهم بها ليتأَهبوا، لشدَّة عدوّهم وكثرتِه، وذلك حين طابتْ الثمارُ، وكان ذلك في سنةٍ مُجدبة، فتأهب المسلمونَ لذلك.
وأنْفَقَ عثمانُ بنُ عفان رضي الله عنه على هذا الجيشِ وهو جيشُ العُسْرة مالاً جزيلاً. ونَهَضَ صلى الله عليه وسلم في نحو من ثلاثين ألفاً، وقد خرجَ معه عبدُ الله بنُ أُبيّ رأسُ النفاق، ثم رجعَ من أثناء الطريق.
وتخلَّف عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم النساء والذرية، ومن عَذَرَه الله من الرّجال ممن لا يجد ظهراً يركبه أو نفقة تكفيه، وتخلَّف منافقون كفراً وعِنَاداً وكانوا نحو الثمانين رجلاً. وتخلَّف عُصَاةٌ مثل: مُرارة بن الرَّبيع، وكعْب بن مالك، وهِلَال بن أُميّة، ثم تابَ الله عليهم بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسينَ ليلةً».