ليشدَّ العَقْد الذي بينهم وبين محمدٍ صلى الله عليه وسلم ويزيدَ في الأجلِ، وذهب أبو سفيان حتى قدم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة زوج رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، فذهب ليقعد على فراش رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فمنعته، وقالت: إنك رجلٌ مشركٌ نجسٌ. فقال: والله يا بنيّة لقد أصابك بعدي شرٌّ. ثم جاء رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه ما جاء له، فلم يجبه صلى الله عليه وسلم بكلمةٍ واحدةٍ. ثم ذهب إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه فطلب منه أن يكلّم رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأبى عليه، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه فأغلظ له، وقال: أنا أفعل ذلك؟! والله لو لم أجد إلا الذرّ لقاتلتكم به. وجاء علياً رضي الله عنه فلم يفعل، وطلب من فاطمة بنتَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أن تأمر ولدَها الحسن أن يجير بين الناس، فقالت: ما بلغ بنيّ ذلك، وما يجيرُ أحدٌ على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
فأشار عليه عليٌّ رضي الله عنه أن يقوم هو فيجيرُ بين الناس، ففعل. ورجعَ إلى مكةَ، فأعلمهم بما كان منه ومنهم، فقالوا: والله ما زاد ــ يعنون علياً ــ أن لعبَ بك.
ثم شَرَع رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في الجهاز إلى مكة، وسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعمّي على قريشٍ الأخبار، فاستجاب له ربّه تبارك وتعالى، ولذلك لما كتَبَ حاطبُ بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يعلمُهم فيه بما هَمَّ به رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم من القدومِ على قتالِهم، وبَعَثَ به مع امرأة، وقد تأول في ذلك مصلحةً تعود عليه، وقَبِلَ ذلك منه رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وصدَّقه، لأنه كان من أهلِ بدرٍ، وبَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير والمقداد رضي الله عنهم، فردُّوا تلك المرأة من روضة خَاخٍ (١)، وأخذوا منها الكتاب.
وكان هذا من إعلامِ الله عزَّ وجلَّ نبيّه صلى الله عليه وسلم بذلك ومن أَعلامِ نبوته صلى الله عليه وسلم. وخرجَ صلى الله عليه وسلم لعشرٍ خلون من رمضان، في عشرة آلاف مُقاتل من المهاجرين والأنصار وقبائل
(١) موضع بالمدينة بقرب حمراء الأسد من حدود العقيق.