وأن ثبوت حرية الإنسان في عمله الإرادي ناشىء عما وهبه الله وأعطاه من علم وإرادة وقدرة، وأن تكليف الله عباده ومجازاتهم على أعمالهم مترتب على ذلك أيضا.
والمنطقة المجهولة التي لم يستطع الإنسان أن يكشف غامضها إلى اليوم هي منطقة نوع الصلة بين علم الله تعالى وإرادته وقدرته، وبين علم الإنسان وإرادته وقدرته.
ولكن هل هذه وحدها هي منطقة الغموض فيما يتصل بشأن الله تعالى؟ إن جميع صفات الله تعالى نحن لا نعرف منها إلا أسماءها وبعض آثارها، أما حقائقها فهي كذاته تعالى: يستحيل على الإنسان إدراكها.
وإذا كنا نؤمن بذلك إيمانا لا شك فيه، فلماذا إذا نأتي إلى قضية القضاء والقدر فنحاول سبر غورها، وإدراك سبر غورها، وإدراك حقيقتها، وهي لا تعدو أن تكون شأنا من شؤون الله تعالى وخاصة به وليست شأنا من شؤون البشر؟.
إن الله تعالى خلقنا وأمرنا ونهانا، وخاطب عقولنا، وكرم فينا إنسانيتنا، وعاملنا بقدر ما أعطانا من قدرة فهم، وقدرة عمل، وجعل حياتنا في عمومها تقوم على الأسباب والمسببات، سواء فيها عالمها العلوي وعالمها السفلي، وسواء فيها الإنسان وغيره من المخلوقات، والله تعالى ثبت لنا من صفاته مع العلم والإرادة والقدرة صفات الحكمة والعدل والرحمة وأنه لا يظلم مثقال ذرة، ولا يكلف نفسا إلا وسعها، وأنه رفع القلم عن النائم والمجنون والصبي والمكره.
فعلينا إذن أن نشغل أنفسنا بما هو مطلوب منا، ولن نجد القدر يوما معوقا لنا بل سنجده يساعدنا ويمدنا بالقوة ويأخذ بأيدينا ما دمنا عاملين مخلصين.
ولماذا كان موضوع القدر هو الشاغل لأمة الإسلام في حال ضعفها وتأخرها وانحطاطها؟ أليس ذلك ليجد المهمل والمقصر والمتواكل وجميع