ولا عبرة بقول من قال من الفلاسفة: إن النبوة يمكن اكتسابها بمباشرة أسباب مخصوصة كملازمة الخلوة والعبادة، وأكل الحلال ... الخ، لأنه لم يقم على ذلك دليل عقلي ولا شرعي. وهم في ذلك خلطوا بين النبوة والولاية التي سيأتي الكلام عنها.
وإرسال الرسل من الأمور الجائزة، في حق الله تعالى، فهو تعالى يجوز في حقه أن يرسل إلى الناس رسلا، ويجوز ألا يرسل، لكنه تعالى أخبر من جهة الشرع أنه لا يؤاخذ أحدا على خطأ ارتكبه إلا إذا أرسل إليه رسولا يعلمه ويرشده، ويبشره وينذره كما سبق، وأخبر تعالى أنه أراد وقرر إرسال الرسل إلى عباده رحمة بهم، لأن عقلهم وحده غير كاف في هدايتهم وإسعادهم، وما دام قد أراد الله ذلك وقرره فلا بد من وقوعه شأن كل شيء أراده الله تعالى وقرره من الأمور الجائزة في حقه تعالى:
النبوات وإرسال الرسل
[الفرق بين الرسل والفلاسفة وأشباههم]
١ - قال المرحوم محمد رشيد رضا:
إن حكمة الحكماء، وعلوم الفلاسفة آراء بشرية ناقصة، وظنون لا تبلغ من عالم الغيب إلا أنه موجود ومجهول، وهي عرضة للتخطئة والخلاف، ولا يفهمها إلا فئة مخصوصة من الناس- وما كل من يفهمها يقبلها، ولا كل من يقبلها ويعتقد صحتها يرجحها على هواه وشهواته، إذ لا سلطان لها على وجدان العالم بها، فلا يكون لها تأثير الإيمان وإسلام الإذعان والتعبد، لأن النوع البشري يأبى طبعه وغريزته أن يدين ويخضع خضوع التعبد لمن يعتقد أن له سلطانا غيبيا عليه بما يملكه من القدرة على النفع والضر بذاته دون الأسباب الطبيعية المبذولة لجميع الناس حسب سنة الكون.
وأضيف إلى ما قاله الأستاذ ما يأتي:
٢ - إن الرسل يتلقون عن الله تعالى دينه ويبلغونه للناس بأمانة وليس