والزكاة كنز الله يفاض على أصحاب العقيدة الواحدة، فيجمع الصف، ويوحد الجمع، ويطهر القلوب من الحسد والحقد، والنفوس من البخل والأنانية، ويجعل الجميع يشعر بأن المؤمنين رحماء فيما بينهم، أقوياء بتعاونهم، سعداء بأخوتهم، قادرون على أن يكونوا أغنى أهل الأرض حين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
أما الحج فإنه مجمع الوفود والأفئدة، ورياضة للفرد والجماعة، ووقوف في المشعر يشبه الوقوف في المحشر، ومناجاة وضراعات، وبكاء واستغاثات، ومراجعة للنفس في اليوم المشهود يوم عرفات. فيه تلين القلوب لربها، وتخشع النفوس لمعزها ومذلها، وتلتقي أفكار المسلمين وعقولهم في حل المشكلات وإقامة صروح المجد والكرامة والرخاء للمسلمين، فيه يشهد المسلمون منافع لهم، ويرفعون اسم الله ويذكرونه على ما هداهم، فلو صدر نداء من جميع ملوك الأرض لجمع المسلمين في صعيد واحد على الوجه المعروف يوم الحج الأكبر ما استطاعوا جمعهم. فهل يليق بمسلم بعد ذلك أن يهمل نداء الله إلى عبادته؟ وهل يسمى مسلماً من حرم قلبه وجوارحه عبادة الله فذبل عود عقيدته؟ وهل هناك شقاء أشد من حرمان من يدعي الإيمان بالله وهو يتمرغ في وحل كسله وشهوته؟
٤ - العبادات في كل دين هي شعائر الله المعلنة عن هذا الدين والمظهرة لقداسته وتعظيمه في النفوس، فإذا أضاعت الأمة هذه الشعائر فهي لما سواها أضيع، وإذا حافظت عليها فهي أشد محافظة على غيرها. فهي معيار الأمة ومخبارها، وعلامة نجاحها في الدين أو سقوطها، ولذا قال تعالى:
{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}[الحج: ٣٢].