للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{لا تسمعوا لهذا القرآن، والغوا فيه لعلكم تغلبون} [فصلت: ٢٦]. وكان كبراؤهم هم يمنعون أتباعهم من الاستماع إلى القرآن الكريم، كما يؤذون من يجهر بالقرآن من المسلمين ولو كان يقرأ في فناء داره. والسيرة مليئة بالأمثلة الموضحة لذلك. وأما المؤمنون فإن روعة كتاب الله تعالى وقوة تأثيره في نفوسهم وهيبته في قلوبهم جعلتهم يعشقون هذا الكتاب الإلهي ويهجرون ما سواه من أشعار وخطب، ويعيشون مع القرآن الذي أخذ بمجامع قلوبهم، واستولى على مشاعرهم ووجدانهم، وأسر بروعته عقولهم، وهذب بكماله نفوسهم، ووصل بالله أرواحهم. فهم من يوم أن عرفوه عشقوه، وبمجرد أن قرأوه تمثلوه، فصارت أحرفه نغماً عذباً في أسماعهم، وكلماته نوراً يتلألأ في قلوبهم، وأحكامه وحكمه دواء روحياً لأمراضهم ومتاعبهم. وفي جوف الليل يسمع المار بأي بيت فيه مسلم دوياً عذباً حلواً مصدره قارئ يرتل كتاب الله، وفي شعاب الجبال ووديانها بمكة أفراد هربوا في جنح الظلام ليستمعوا بتلاوة كتاب الله. وسقطت سياط العذاب على رؤوس المسلمين وجسومهم فآلمت ومزقت، وألقيت الصخور الحامية على صدور المؤمنين فأثقلت وعذبت، ووضعت الأغلال في الرقاب والقيود في الأرجل فأنهكت وأتعبت. ومع ذلك كله انتفضت القلوب المؤمنة بحب الله هون عليها كل عذاب، وانطلقت ألسنة الموحدين باسم الله مخترقة كل حاجز وحجاب، وتحملت عذاب الجبابرة فتيات ناعمات، ونساء مرفهات، وصبية أعوادهم رطبة كنبت الربيع. ما السر في ذلك كله؟ وما هو الروح الجديد الذي سرى في دماء المؤمنين؟ وما هو السحر الذي استولى على نفوس المسلمين؟.

<<  <   >  >>