قال ابن كثير: أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا: أي إذا نزل الإنس وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها - كما كانت عادة العرب في الجاهلية - يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان حتى لا يصيب شيء بسوء، فكلما رأت الجن أو الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادهم رهقاً: أي خوفاً وإرهاباً وذعراً، حتى يبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذاً بهم.
وقال ملا علي قاري الحنفي: لا يجوز الاستعاذة بالجن فقد ذم الله تعالى الكافرين على ذلك وذكر الآية، وقال تعالى:{ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس، وقال أولياؤهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال: النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله، إن ربك حكيم عليم}[الأنعام: ١٢٨].
فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه وامتثال أوامره وإخباره بشيء من المغيبات. واستمتاع الجني بإنسي تعظيمه إياه، واستعاذته به، وخضوعه له ١. هـ. هذا باختصار.
وقال ابن القيم: ومن ذبح للشيطان ودعاه واستعاذ به، وتقرب إليه بما يجب فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة بل يسميه استخداماً. وصدق، هو استخدام من الشيطان له، فيصير من خدم الشيطان وعابديه، وبذلك يخدمه الشيطان، لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عبادة، فإن الشيطان لا يخضع له ولا يعبده كما يفعل هو به.
وقد بين الله تعالى لنا كيفية الاستعاذة في سورتين تامتين من كتابه هما:{قل أعوذ برب الفلق} إلى آخرها، و {قل أعوذ برب الناس} إلى آخرها.