فنقول: أما المسلمون، لما انحصر عندهم الوجود في حادث وفي قديم ولم يكن عندهم قديم إلا الله وصفاته وكان. ما عداه حادثاً من جهته بإرادته، حصل عندهم مقدمة ضرورية في علمه، فإن المراد بالضرورة لا بد وأن يكون معلوماً للمريد، فبنوا عليه أن الكل معلوم له لأن الكل مراد له وحادث بإرادته، فلا كائن إلا وهو حادث بإرادته ولم يبق إلا ذاته، ومهما ثبت أنه مريد عالم بما أراده فهو حي بالضرورة وكل حي يعرف غيره، فهو بأن يعرف ذاته أولى، فصار الكل عندهم معلوماً لله وعرفوه بهذا الطريق بعد أن بان لهم أنه مريد لإحداث العالم.
[وأما أنتم، فما هو دليلكم؟]
فأما أنتم فإذا زعمتم أن العالم قديم لم يحدث بإرادته فمن أين عرفتم أنه يعرف غير ذاته؟ فلا بد من الدليل عليه.
[قولهم الموجود لا في مادة يعقل جميع المعقولات]
وحاصل ما ذكره ابن سينا في تحقيق ذلك في إدراج كلامه يرجع إلى فنين:
الفن الأول: أن الأول موجود لا في مادة، وكل موجود لا في مادة فهو عقل محض، وكل ما هو عقل محض فجميع المعقولات مكشوفة له فإنه المانع عن درك الأشياء كلها التعلق بالمادة والاشتغال بها، ونفس الآدمي مشغول بتدبير المادة أي البدن وإذا انقطع شغله بالموت ولم يكن قد