ثم نقول: هذه المناقضة تبين أنهم غفلوا عن موضع تلبيس في القياس ولعل موضع الالتباس قولهم إن العلم منطبع في الجسم انطباع اللون في المتلون، وينقسم اللون بانقسام المتلون فينقسم العلم بانقسام محله. والخلل في لفظ الانطباع إذ يمكن أن لا تكون نسبة العلم إلى محله كنسبة اللون إلى المتلون حتى يقال إنه منبسط عليه ومنطبع فيه ومنتشر في جوانبه فينقسم بانقسامه. فلعل نسبة العلم إلى محله على وجه آخر وذلك الوجه لا يجوز فيه الانقسام عند انقسام المحل بل نسبته إليه كنسبة إدراك العداوة إلى الجسم. ووجوه نسبة الأوصاف إلى محلها ليست محصورة في فن واحد ولا هي معلومة التفاصيل لنا علماً نثق به، فالحكم عليه دون الإحاطة بتفصيل النسبة حكم غير موثوق به.
[لا دليل لهم]
وعلى الجملة لا ينكر أن ما ذكروه مما يقوي الظن ويغلبه وإنما ينكر كونه معلوماً يقيناً علماً لا يجوز الغلط فيه ولا يتطرق إليه الشك وهذا القدر مشكك فيه.
دليل ثان
دليلهم الثاني للعلم نسبة إلى العالم
قالوا: إن كان العلم بالمعلوم الواحد العقلي وهو المعلوم المجرد عن المواد منطبعاً في المادة انطباع الأعراض في الجوهر الجسمانية لزم انقسامه بالضرورة بانقسام الجسم كما سبق، وإن لم يكن منطبعاً فيه ولا منبسطاً عليه واستكره لفظ الانطباع فنعدل إلى عبارة أخرى ونقول: هل للعلم نسبة إلى العالم أم لا؟ ومحال قطع النسبة فإنه إن قطعت النسبة عنه فكونه عالماً به لم صار أولى من كون غيره عالماً؟
وهذه النسبة تكون من ثلاثة أقسام
إما إلى الكل أو إلى البعض أو لا تكون، وثلاثتها باطلة
وإن كان له نسبة فلا يخلوا من ثلثة أقسام: إما أن تكون النسبة لكل جزء من أجزاء المحل