الثانية أنه إن سلم ذلك مسامحة به فقولكم إنه يفتقر إلى تصور جزئي للحركات الجزئية فغير مسلم، بل ليس ثم جزء عندكم في الجسم فإنه شيء واحد وإنما يتجزا بالوهم ولا في الحركة فإنها واحدة بالاتصال فيكفي تشوقها إلى استيفاء الأيون الممكنة لها كما ذكروه ويكفيها التصور الكلي والإرادة الكلية.
[نسلم هذا في شأن المتوجه إلى مكان]
ولنمثل للإرادة الكلية والجزئية مثالاً لتفهيم غرضهم. فإذا كان للإنسان غرض كلي في أن يحج بيت الله مثلاً فهذه الإرادة الكلية لا يصدر منها الحركة لا الحركة تقع جزئية في جهة مخصوصة بمقدار مخصوص بل لا يزال يتجدد للإنسان في توجهه إلى البيت تصور بعد تصور للمكان الذي يتخطاه والجهة التي يسلكها، ويتبع كل تصور جزئي إرادة جزئية للحركة عن المحل الموصول إليه بالحركة. فهذا ما أرادوه بالإرادة الجزئية التابعة للتصور الجزئي وهو مسلم لأن الجهات متعددة في التوجه إلى مكة والمسافة غير متعينة، فيفتقر تعين مكان عن مكان وجهة عن جهة إلى إرادة أخرى جزئية.
[لا في شأن الفلك]
وأما الحركة السماوية فلها وجه واحد فإن الكرة إنما تتحرك على نفسها وفي حيزها لا تجاوزها، والحركة مرادة وليس ثم إلا وجه واحد وجسم واحد وصوب واحد، فهو كهوى الحجر إلى أسفل فإنه يطلب الأرض في أقرب طريق، وأقرب الطرق الخط المستقيم، فتعين الخط المستقيم فلو يفتقر فيه إلى تجدد سبب حادث سوى الطبيعة الكلية الطالبة للمركز مع تجدد القرب والبعد والوصول إلى حد والصدور عنه، فكذلك يكفي في تلك الحركة الإرادة الكلية للحركة ولا يفتقر إلى مزيد.