المقام الثاني أن نقول: ما ذكرتموه من أن كل حال في جسم فينبغي أن ينقسم باطل عليكم بما تدركه القوة من الشاة من عداوة الذئب فإنها في حكم شيء وحد لا يتصور تقسيمه إذ ليس للعداوة بعض حتى يقدر إدراك بعضه وزوال بعضه، وقد حصل إدراكها في قوة جسمانية عندكم فإن نفس البهائم منطبعة في الأجسام لا تبقى بعد الموت. وقد اتفقوا عليه فإن أمكنهم أن يتكلفوا تقدير الانقسام في المدركات بالحواس الخمس وبالحس المشترك وبالقوة الحافظة للصور فلا يمكنهم تقدير الانقسام في هذه المعاني التي ليس من شرطها أن تكون في مادة.
[قد يقال ليس الكلام عن العداوة المجردة]
فإن قيل: الشاة لا تدرك العداوة المطلقة المجردة عن المادة بل تدرك عداوة الذئب المعين المشخص مقروناً بشخصه وهيكله. والقوة العاقلة تدرك الحقائق مجردة عن المواد والأشخاص.
[الإدراك لا ينقسم]
قلنا: الشاة قد أدركت لون الذئب وشكله ثم عداوته، فإن كان اللون ينطبع في القوة الباصرة وكذى الشكل وينقسم بانقسام محل البصر فالعداوة بماذى تدركها؟ فإن أدرك بجسم فلينقسم وليت شعري ما حال ذلك الإدراك إذا قسم، وكيف يكون بعضه؟ أهو إدراك لبعض العداوة فكيف يكون لها بعض؟ أو كل قسم إدراك لكل العداوة فتكون العداوة معلومة مراراً بثبوت إدراكها في كل قسم من أقسام المحل. فإذن هذه شبهة مشكلة لهم في برهانهم فلا بد من الحل.
[قد يقال لا شك في المقدمتين]
فإن قيل: هذه مناقضة في المعقولات والمعقولات لا تنقض فإنكم مهما لم تقدروا على الشك في المقدمتين، وهو أن العلم الواحد لا ينقسم وأن ما لا ينقسم لا يقوم بجسم منقسم، لم يمكنكم الشك في النتيجة.
[جوابنا بينا أن أقوالهم تتناقض]
والجواب أن هذا الكتاب ما صنفناه إلا لبيان التهافت والتناقض في كلام الفلاسفة، وقد حصل إذ انتقض به أحد الأمرين: إما ما ذكروه في النفس الناطقة أو ما ذكروه في القوة الوهمية.