الإذعان لقبوله، كما إذا قيل: ليس قبل وجود العالم "قبل" هو وجود محقق، نفر عن قبوله، وكما جاز أن يكذب الوهم في تقديره فوق العالم خلاء هو بعد لا نهاية له، بأن يقال له: الخلاء ليس مفهوماً في نفسه، وأما البعد فهو تابع للجسم الذي تتباعد أقطاره، فإذا كان الجسم متناهياً كان البعد الذي هو تابع له متناهياً، وانقطع الملاء والخلاء غير مفهوم فثبت أنه ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء، وإن كان الوهم لا يذعن لقبوله.
[ولكن ذلك وهم]
فكذلك يقال: كما أن البعد المكاني تابع للجسم فالبعد الزماني تابع للحركة، فإنه امتداد الحركة كما أن ذلك امتداد أقطار الجسم وكما أن قيام الدليل على تناهي أقطار الجسم منع من إثبات بعد مكاني وراءه. فقيام الدليل على تناهي الحركة من طرفيه يمنع من تقدير بعد زماني وراءه، وإن كان الوهم متشبثاً بخياله وتقديره ولا يرعوى عنه. ولا فرق بين البعد الزماني الذي تنقسم العبارة عنه عند الإضافة إلى "قبل" و "بعد" وبين البعد المكاني الذي تنقسم العبارة عنه عند الإضافة إلى فوق وتحت. فإن جاز إثبات "فوق" لا "فوق" فوقه جاز إثبات "قبل" ليس قبله "قبل" محقق، إلا خيال وهمي كما في الفوق. وهذا لازم فليتأمل، فإنهم اتفقوا على أنه ليس وراء العالم لا خلاء ولا ملاء.
[قولهم ليس هناك موازنة]
فالعالم ليس له "فوق" إلا بالاسم الإضافي المتبدل ...
فإن قيل: هذه الموازنة معوجة لأن العالم ليس له "فوق" ولا "تحت" بل هو كري، وليس للكرة "فوق" و "تحت"، بل إن سميت جهة "فوقاً" من حيث أنه يلي رأسك والآخر "تحتاً" من حيث أنه يلي رجلك، فهو اسم تجدد له بالإضافة إليك، والجهة التي هي "تحت" بالإضافة إليك "فوق" بالإضافة إلى غيرك، إذا قدرت على الجانب الآخر من كر ة الأرض واقفاً يحاذي أخمص قدمه أخمص قدميك، بل الجهة التي تقدرها فوقك من أجزاء السماء نهاراً هو بعينه تحت الأرض ليلاً، وما هو تحت الأرض يعود إلى فوق الأرض في الدور. وأما الأول لوجود العالم لا يتصور أن ينقلب آخراً.
...
[كما في مثل الخشبة]
وهو كما لو قدرنا خشبة أحد طرفيها غليظ والآخر دقيق واصطلحنا على أن نسمي الجهة التي