من وجه واحد وهو أنه يعقل مبدأه ويعقل نفسه، وهو باعتبار ذاته ممكن الوجود لأن وجوب وجوده بغيره لا بنفسه، وهذه معان ثلاثة مختلفة. والأشرف من المعلولات الثلاثة ينبغي أن ينسب إلى الأشرف من هذه المعاني فيصدر منه العقل من حيث أنه يعقل مبدأه، ويصدر نفس الفلك من حيث أنه يعقل نفسه، ويصدر جرم الفلك من حيث أنه ممكن الوجود بذاته.
لا يصدر من المبدأ الأول لزوماً إلا واحد
فيبقى أن يقال: هذا التثليث من أين حصل في المعلول الأول ومبدؤه واحد؟ فنقول: لم يصدر من المبدأ الأول إلا واحد وهو ذات هذا العقل الذي به يعقل نفسه، ولزمه ضرورة لا من جهة المبدأ إن عقل المبدأ، وهو في ذاته ممكن الوجود وليس له الإمكان من المبدأ الأول بل هو لذاته. ونحن لا نبعد أن يوجد من الواحد واحد يلزم ذلك المعلول، لا من جهة المبدأ، أمور ضرورية إضافية أو غير إضافية، فيحصل بسبه كثرة ويصير بذلك مبدأ لوجود الكثرة. فعلى هذا الوجه يمكن أن يلتقي المركب بالبسيط إذ لا بد من الالتقاء، ولا يمكن إلا كذلك فهو الذي يجب الحكم به. فهذا هو القول في تفهيم مذهبهم.
قولنا إنها ترهات! والاعتراضات لا تنحصر، وإليكم بعضها قلنا: ما ذكرتموه تحكمات وهي على التحقيق ظلمات فوق ظلمات، لو حكاه الإنسان عن منام رآه لاستدل به على سوء مزاجه، أو أورد جنسه في الفقهيات التي قصارى المطلب فيها تخمينات لقيل أنها ترهات لا تفيد غلبات الظنون.
ومداخل الاعتراض على مثله لا تنحصر ولكنا نورد وجوهاً معدودة.
إن جاز صدور الكثرة عن إمكان الوجود، جاز صدورها عن وجوب الوجود الأول هو أنا نقول: ادعيتم أن أحد معاني الكثرة في المعلول الأول أنه ممكن الوجود، فنقول: كونه ممكن الوجود عين وجوده أو غيره، فإن كان عينه فلا ينشأ منه كثرة، وإن كان غيره فهلا قلتم: في المبدأ الأول