كثرة، لأنه موجود وهو مع ذلك واجب الوجود، فوجوب الوجود غير نفس الوجود، فليجز صدور المختلفات منه لهذه الكثرة. وإن قيل: لا معنى لوجوب الوجود إلا الوجود، فلا معنى لإمكان الوجود إلا الوجود. فإن قلتم: يمكن أن يعرف كونه موجوداً ولا يعرف كونه ممكناً فهو غيره، فكذا واجب الوجود يمكن أن يعرف وجوده ولا يعرف وجوبه إلا بعد دليل آخر فليكن غيره. وبالجملة الوجود أمر عام ينقسم إلى واجب وإلى ممكن، فإن كان فصل أحد القسمين زائداً على العام فكذى الفصل الثاني ولا فرق.
قولهم إمكان الوجود غير الوجود فإن قيل: إمكان الوجود له من ذاته ووجوده من غيره، فكيف يكون ما له من ذاته وما له من غيره واحداً؟
[قولنا كذلك وجوب الوجود]
قلنا: وكيف يكون وجوب الوجود عين الوجود ويمكن أن ينفى وجوب الوجود ويثبت الوجود؟ والواحد الحق من كل وجه هو الذي لا يتسع للنفي والإثبات إذ لا يمكن أن يقال: موجود وليس بموجود أو واجب الوجود وليس بواجب الوجود، ويمكن أن يقال: موجود وليس بواجب الوجود كما يمكن أن يقال: موجود وليس بممكن الوجود. وإنما يعرف الوحدة بهذا فلا يستقيم تقدير ذلك في الأول إن صح ما ذكروه من أن إمكان الوجود غير الوجود الممكن.
[إن جاز صدور الكثرة عن قوة العقل، جاز صدورها عن المبدأ الأول]
الاعتراض الثاني هو أن نقول: عقله مبدأه عين وجوده وعين عقله نفسه أم غيره؟ فإن كان عينه فلا كثرة في ذاته إلا في العبارة عن ذاته، وإن كان غيره فهذه الكثرة موجودة في الأول فإنه يعقل ذاته ويعقل غيره. فإن زعموا أن عقله ذاته عين ذاته ولا يعقل ذاته ما لم يعقل أنه مبدأ لغيره، فإن العقل يطابق المعقول فيكون راجعاً إلى ذاته. فنقول: والمعلول عقله ذاته عين ذاته فإنه عقل بجوهره فيعقل نفسه، والعقل والعاقل والمعقول منه أيضاً واحد. ثم إذا كان عقله ذاته عين ذاته فليعقل ذاته معلولاً لعلة فإنه كذلك، والعقل يطابق المعقول فيرجع الكل إلى ذاته فلا كثرة إذن. وإن