للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونظر بعينه، ويكون معناه نفي احتمال المجاز. فهذا مزلة القدم، فليتنبه لمحل انخداع هؤلاء الأغبياء.

[قولهم يقال النار تحرق]

فإن قيل: تسمية الفاعل فاعلاً إنما يعرف من اللغة، وإلا فقد ظهر في العقل أن ما يكون سبباً للشيء ينقسم إلى ما يكون مريداً وإلى ما لا يكون. ووقع النزاع في أن اسم الفعل على كلى القسمين حقيقة أم لا؟ ولا سبيل إلى إنكاره، إذ العرب تقول: النار تحرق والسيف يقطع والثلج يبرد والسقمونيا تسهل والخبز يشبع والماء يروي. وقولنا "يضرب" معناه يفعل الضرب، وقولنا "تحرق" معناه تفعل الاحتراق، وقولنا "يقطع" معناه يفعل القطع. فإن قلتم: إن كل ذلك مجاز كنتم متحكمين فيه من غير مستند.

قولنا من ألقى إنساناً في نار فمات هو القاتل دون النار ...

والجواب أن كل ذلك بطريق المجاز وإنما الفعل الحقيقي ما يكون بالإرادة. والدليل عليه أنا لو فرضنا حادثاً توقف في حصوله على أمرين أحدهما إرادي والآخر غير إرادي، أضاف العقل الفعل إلى الإرادي. وكذى اللغة فإن من ألقى إنساناً في نار فمات يقال: هو القاتل دون النار، حتى إذا قيل: ما قتله إلا فلان، صدق قائله.

[لأنه مختار]

فإن كان اسم الفاعل على المريد وغير المريد على وجه واحد لا بطريق كون أحدهما أصلاً وكون الآخر مستعاراً منه، فلم يضاف القتل إلى المريد لغة وعرفاً وعقلاً؟ مع أن النار هي العلة القريبة في القتل، وكأن الملقى لم يتعاط إلا الجمع بينه وبين النار. ولكن لما أن كان الجمع بالإرادة وتأثير النار بغير إرادة سمي قاتلاً ولم تسم النار قاتلاً إلا بنوع من الاستعارة. فدل أن الفاعل من صدر الفعل عن إرادته، وإذا لم يكن الله مريداً عندهم ولا مختاراً لفعل لم يكن صانعاً ولا فاعلاً إلا مجازاً.

قولهم نعني بكون الله فاعلاً أن العالم قوامه به

فإن قيل: نحن نعني بكون الله فاعلاً أنه سبب لوجود كل موجود سواه وأن العالم قوامه به، ولولا وجود البارئ لما تصور وجود العالم، ولو قدر عدم البارئ لانعدم العالم، كما لو قدر عدم الشمس لانعدم

<<  <   >  >>