مادة واحدة كانت بدناً للمأكول وصارت بالغذاء بدناً للآكل ولا يمكن رد نفسين إلى بدن واحد. والثاني أنه يجب أن يعاد جزء واحد كبداً وقلباً ويداً ورجلاً فإنه ثبت بالصناعة الطبية أن الأجزاء العضوية يغتذي بعضها بفضلة غذاء البعض فيتغذى الكبد بأجزاء القلب وكذلك سائر الأعضاء. فنفرض أجزاء معينة قد كانت مادة لجملة من الأعضاء فإلى أي عضو تعاد؟ بل لا يحتاج في تقرير الاستحالة الأولى إلى أكل الناس الناس فإنك إذا تأملت ظاهر التربة المعمورة علمت بعد طول الزمان أن ترابها جثث الموتى قد تتربت وزرع فيها وغرس وصار حباً وفاكهة وتناولها الدواب فصارت لحماً وتناولناها فعادت بدناً لنا، فما من مادة يشار إليها إلا وقد كانت بدناً لأناس كثيرة فاستحالت وصارت تراباً ثم نباتاً ثم لحماً ثم حيواناً. بل يلزم منه محال ثالث وهو أن النفوس المفارقة للأبدان غير متناهية والأبدان أجسام متناهية فلا تفي المواد التي كانت مواد الإنسان بأنفس الناس كلهم بل تضيق عنهم.
[وأما الثالث فهو محال، فالأنفس هي متناهية]
وأما القسم الثالث وهو رد النفس إلى بدن إنساني من أي مادة كانت وأي تراب اتفق فهذا محال من وجهين: أحدهما أن المواد القابلة للكون والفساد محصورة في مقعر فلك القمر لا يمكن عليها مزيد وهي متناهية والأنفس المفارقة للأبدان غير متناهية فلا تفي بها.
[فليس هناك طرق مقبولة]
والثاني أن التراب لا يقبل تدبير النفس ما بقي تراباً بل لا بد وأن تمتزج العناصر امتزاجاً يضاهي امتزاج النطفة، بل الخشب والحديد لا يقبل