نطفة إلى غير نهاية. ثم كل إنسان مات فقد بقي نفسه وهو بالعدد غير نفس من مات قبله ومعه وبعده، وإن مكان الكل بالنوع واحداً فعندكم في الوجود في كل حال نفوس لا نهاية لأعدادها.
[قولهم لا ترتيب لها]
فإن قيل: النفوس ليس لبعضها ارتباط بالبعض ولا ترتيب لها لا بالطبع ولا بالوضع، وإنما نحيل نحن موجودات لا نهاية لها إذا كان لها ترتيب بالوضع كالأجسام فإنها مرتبة بعضها فوق البعض، أو كان لها ترتيب بالطبع كالعلل والمعلولات، وأما النفوس فليست كذلك.
[قولنا الترتيب بالزمان يكفي]
قلنا: وهذا الحكم في الوضع ليس طرده بأولى من عكسه، فلم أحلتم أحد القسمين دون الآخر؟ وما البرهان المفرق؟ وبم تنكرون على من يقول: إن هذه النفوس التي لا نهاية لها لا تخلوا عن ترتيب إذ وجود بعضها قبل البعض؟ فإن الأيام والليالي الماضية لا نهاية لها. وإذا قدرنا وجود نفس واحد في كل يوم وليلة كان الحاصل في الوجود الآن خارجاً عن النهاية واقعاً على ترتيب في الوجود أي بعضها بعد البعض. والعلة غايتها أن يقال: إنها قبل المعلول بالطبع كما يقال إنها فوق المعلول بالذات لا بالمكان. فإذا لم يستحل ذلك في القبل الحقيقي الزماني فينبغي أن لا يستحيل في القبل الذاتي الطبعي. وما بالهم لم يجوزوا أجساماً بعضها فوق البعض بالمكان إلى غير نهاية وجوزوا موجودات بعضها قبل البعض بالزمان إلى غير نهاية؟ وهل هذا إلا تحكم بارد لا أصل له؟
[قولهم إن العلل، إن كانت ممكنة، افتقرت إلى علة زائدة.]
فإن قيل: البرهان القاطع على استحالة علل إلى غير نهاية أن يقال: كل واحد من آحاد العلل ممكنة في نفسها أو واجبة. فإن كانت واجبة فلم تفتقر إلى علة، وإن كانت ممكنة فالكل موصوف بالإمكان، وكل ممكن فيفتقر إلى علة زائدة على ذاته، فيفتقر الكل إلى علة خارجة عنها.
[قولنا كل واحد ممكن، والكل ليس بممكن.]
قلنا: لفظ الممكن والواجب لفظ مبهم، إلا أن يراد بالواجب ما لا علة لوجوده ويراد بالممكن ما لوجوده علة. وإن كان المراد هذا فلنرجع إلى هذه اللفظة فنقول: كل واحد ممكن على معنى أن له علة