مرتفعاً والشخص المقابل متلوناً فيلزم لا محالة أن يبصر، ولا يعقل أن لا يبصر حتى إذا غربت الشمس وأظلم الهواء علم أن نور الشمس هو السبب في انطباع الألوان في بصره. فمن أين يأمن الخصم أن يكون في المبادئ للوجود علل وأسباب يفيض منها الحوادث عند حصول ملاقاة بينها؟ إلا أنها ثابتة ليست تنعدم ولا هي أجسام متحركة فتغيب، ولو انعدمت أو غابت لأدركنا التفرقة وفهمنا أن ثم سبباً وراء ما شاهدناه، وهذا لا مخرج منه على قياس أصلهم.
[وواهب الصور ... !]
ولهذا اتفق محققوهم على أن هذه الأعراض والحوادث التي تحصل عند وقوع الملاقاة بين الأجسام وعلى الجملة عند اختلاف نسبها إنما تفيض من عند واهب الصور وهو ملك أو ملائكة، حتى قالوا: انطباع صورة الألوان في العين يحصل من جهة واهب الصور وإنما طلوع الشمس والحدقة السليمة والجسم المتلون معدات ومهيئات لقبول المحل هذه الصورة، وطردوا هذا في كل حادث، وبهذا يبطل دعوى من يدعي أن النار هي الفاعلة للاحتراق والخبز هو الفاعل للشبع والدواء هو الفاعل للصحة إلى غير ذلك من الأسباب.
قولهم الحوادث تفيض من المبادئ باللزوم والطبع
ولكن الاستعداد لقبول الصور يحصل بهذه الأسباب
المقام الثاني مع من يسلم أن هذه الحوادث تفيض من مبادئ الحوادث ولكن الاستعداد لقبول الصور يحصل بهذه الأسباب المشاهدة الحاضرة، إلا أن تيك المبادئ أيضاً تصدر الأشياء عنها باللزوم والطبع لا على سبيل التروي والاختيار صدور النور من الشمس، وإنما افترقت المحال في القبول لاختلاف استعدادها فإن الجسم الصقيل يقبل شعاع الشمس ويرده حتى يستضيء به موضع آخر والمدر لا يقبل والهواء لا يمنع نفوذ نوره والحجر يمنع وبعض الأشياء يلين بالشمس وبعضها يتصلب وبعضها يبيض كثوب القصار وبعضها يسود كوجهه، والمبدأ واحد والآثار مختلفة لاختلاف الاستعدادات في المحل،