تدنس بالشهوات البدنية والصفات الرذيلة المتعدية إليه من الأمور الطبيعية انكشف له حقائق المعقولات كلها. ولذلك قضى بأن الملائكة كلهم يعرفون جميع المعقولات ولا يشذ عنهم شيء لأنهم أيضاً عقول مجردة لا في مادة.
[قولنا النتيجة تحتاج إلى برهان]
فنقول: قولكم: الأول موجود لا في مادة، إن كان المعنى به أنه ليس بجسم ولا هو منطبع في جسم بل هو قائم بنفسه من غير تحيز واختصاص بجهة فهو مسلم. فيبقى قولكم: وما هذا صفته فهو عقل مجرد، فماذا تعني بالعقل إن عنيت ما يعقل سائر الأشياء؟ فهذا نفس المطلوب وموضع النزاع فكيف أخذته في مقدمات قياس المطلوب؟ وإن عنيت به غيره وهو أنه يعقل نفسه فربما يسلم لك إخوانك من الفلاسفة ذلك ولكن يرجع حاصله إلى أن ما يعقل نفسه يعقل غيره فيقال: ولم ادعيت هذا؟ وليس ذلك بضروري وقد انفرد به ابن سينا عن سائر الفلاسفة فكيف تدعيه ضرورياً وإن كان نظرياً فما البرهان عليه؟
[قولهم المادة مانع من درك الأشياء]
فإن قيل: لأن المانع من درك الأشياء المادة ولا مادة.
[قولنا المانع والمادة لا يتفقان]
فنقول: نسلم أنه مانع ولا نسلم أنه المانع فقط. وينتظم قياسهم على شكل القياس الشرطي وهو أن يقال: إن كان هذا في المادة فهو لا يعقل الأشياء ولكنه ليس في المادة فإذن يعقل الأشياء. فهذا استثناء نقيض المقدم واستثناء نقيض المقدم غير منتج بالاتفاق وهو كقول القائل: إن كان هذا إنساناً فهو حيوان لكنه ليس بإنسان فإذن ليس بحيوان. فهذا لا يلزم إذ ربما لا يكون إنساناً ويكون فرساً فيكون حيواناً. نعم استثناء نقيض المقدم ينتج نقيض التالي على ما ذكر في المنطق بشرط وهو ثبوت انعكاس التالي على المقدم وذلك بالحصر وهو كقولهم: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس ليست طالعة