فإن قيل: وهذا يصدر من نفس النبي أو من مبدأ آخر من المبادئ عند اقتراح النبي.
[قولنا من الله لإثبات النبوة]
قلنا: وما سلمتموه من جواز نزول الأمطار والصواعق وتزلزل الأرض بقوة نفس النبي يحصل منه أو من مبدأ آخر. فقولنا في هذا كقولكم في ذاك والأولى بنا وبكم إضافة ذلك إلى الله إما بغير واسطة أو بواسطة الملائكة. ولكن وقت استحقاق حصولها انصراف همة النبي إليه وتعين نظام الخير في ظهوره لاستمرار نظام الشرع فيكون ذلك مرجحاً جهة الوجود ويكون الشيء في نفسه ممكناً والمبدأ به سمحاً جواداً، ولكن لا يفيض منه إلا إذا ترجحت الحاجة إلى وجوده وصار الخير، متعيناً فيه، ولا يصير الخير متعيناً فيه إلا إذا احتاج نبي في إثبات نبوته إليه لإفاضة الخير.
[هذا لائق بمساق كلامهم ولازم لهم]
فهذا كله لائق بمساق كلامهم ولازم لهم مهما فتحوا باب الاختصاص للنبي بخاصية تخالف عادة الناس، فإن مقادير ذلك الاختصاص لا ينضبط في العقل إمكانه فلم يجب معه التكذيب لما تواتر نقله وورد الشرع بتصديقه.
[تقبل الصور مختلفة بسبب اختلاف الاستعداد]
وعلى الجملة لما كان لا يقبل صورة الحيوان إلا النطفة وإنما تفيض القوى الحيوانية عليها من الملائكة التي هي مبادي الموجودات عندهم ولم يتخلق قط من نطفة الإنسان إلا إنسان ومن نطفة الفرس إلا فرس من حيث أن حصوله من الفرس أوجب ترجيحاً لمناسبة صورة الفرس على سائر الصور فلم يقبل إلا الصورة المترجحة بهذا الطريق، ولذلك لم ينبت قط من الشعير حنطة ولا من بذر الكمثرى تفاح. ثم رأينا أجناساً من الحيوانات تتولد من التراب ولا تتوالد قط كالديدان ومنها ما يتولد ويتوالد جميعاً كالفار والحية والعقرب وكان تولدها من التراب ويختلف استعدادها لقبول الصور بأمور غابت عنا ولم يكن في القوة البشرية الإطلاع عليها، إذ ليس تفيض الصور عندهم من الملائكة بالتشهي ولا جزافاً بل لا يفيض